مازالت أزمة مصر مع دول حوض النيل مستمرة برغم التطمينات التى تطلقها حكومتنا وحكومات دول حوض النيل أن الأمور مستقرة والأوضاع تتحسن حيث أكد الدكتور هشام قنديل، وزير الموارد المائية والرى،أن مصر بالتنسيق مع السودان توصلا لصياغة مبادرة جديدة لفض الاشتباك القانونى بين مبادرة حوض النيل التى تؤكد على عدم الصدام حول المصالح المائية، والتى تؤيدها القاهرة بشدة. والاتفاقية الإطارية الجديدة التى يرى البلدان أنها غير ضامنة للحفاظ على حقوقهما المكتسبة فى مياه النهر منذ آلاف السنين وتساعد على طى الخلافات العالقة فى اتفاقية عنتيبى، والتى لم توقع عيها دولة الكونغو الديمقراطية، مشيراً إلى أن الاتفاق المصرى السودانى يأتى تنفيذا لاتفاقية 59 الموقعة بين البلدين، والتى من أهم بنودها ضرورة وجود رؤية موحدة للبلدين تجاه أية قضية تمس مياه النيل. وأضاف قنديل فى تصريحات صحفية اليوم، الأربعاء، أن الرؤية الجديدة "المبادرة" تحقق التعاون المشترك بين مصر والسودان ودول الحوض بما يحفظ الحقوق المستقبلية للبلدين وفى نفس الوقت تحقق الانتفاع المنصف والمعقول لدول منابع النيل من مياه النهر دون التأثير على دول المصب، وفى نفس الوقت تساعد على فض الاشتباك بين المبادرة والاتفاقية الإطارية مؤكدا أن هذه المبادرة سوف تعرض خلال الاجتماع الاستثنائى لوزراء مياه النيل المقرر عقده 27 يناير الحالى فى نيروبى. أضاف أن الوزير السودانى قد أوضح خلال اجتماعات هيئة مياه النيل المشتركة بالقاهرة الأسبوع الماضى أن الخرطوم تقوم حاليا بإعداد مشروع لاتفاقية شاملة مع دولة جنوب السودان للتنسيق بين البلدين فى مختلف المجالات التنموية ومن بينها موضوع تنمية الموارد المائية بالجنوب وتنفيذ اتفاقية 59 الخاصة بمياه النيل ومثل هذه الاتفاقية الشاملة فى حالة الانتهاء منها وإقرارها سوف تكون مشجعة للدولتين لمناقشة آليات استغلال الموارد الطبيعية المشتركة بين جوباوالخرطوم بما فيها مياه النيل. أشار قنديل إلى أنه تم توجيه الدعوة لوزير الموارد المائية بجنوب السودان لزيارة القاهرة عقب احتفالات أعياد الميلاد ونحن فى انتظار هذه الزيارة لبحث سبل التعاون بين البلدين وموقف مشروعات المنحة المصرية المقدمة لتنمية الموارد المائية بها ومن بينها تطهير بحر الغزال وحفر آبار جوفية لتوفير مياه الشرب للمجتمعات المحلية، مؤكدا أن هناك تنسيقا كاملا مع كل من الخرطوموجوبا فيما يتعلق بحسن إدارة واستغلال مياه النيل لصالح الشعوب. ومن ناحية أخرى أكد مصدر مسئول بملف مياه النيل أن الخلافات الحالية بين الخرطوموجوبا حول تقاسم مياه النيل، مسألة داخلية تخص العلاقات المتشابكة بينهما ولا دخل لمصر بها، حيث إن اتفاقية نيفاشا التى تم على أساسها حصول الجنوب على الاستقلال كان من بنودها التزام الجنوب فى حالة إعلان الدولة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين السودان ودول العالم ومن بينها مصر، وبالتالى فإن حصة مصر فى مياه النيل لن تتأثر على الإطلاق والتى أقرتها اتفاقية 59 والاتفاقيات السابقة واللاحقة على هذا التاريخ مع عدد من دول الحوض بخلاف السودان. وعلى صعيد آخر أشارت تقارير إعلامية دولية إلى أن دولة جنوب السودان تقوم حاليا بالتعاون مع عدد من الدول المانحة بوضع خطة متكاملة لاستغلال مواردها ومن بينها إسرائيل لإنشاء مجموعة من السدود على النيل الأبيض لإنتاج الطاقة الكهربائية التى تحتاجها كافة المشروعات التنموية المطلوبة من بنية أساسية ومشروعات صناعية وطرق وغيرها فى الفترة القادمة خاصة فى ظل الخلافات الحالية مع الخرطوم حول تقاسم عائد النفط. من جانبه أكد السفير عبد الرحمن صلاح مساعد وزير الخارجية المصرية السابق ان أسباب الأزمة بين مصر ودول حوض النيل هى سياسية بالأساس. وارجع صلاح، فى تصريحات أذاعها راديو سوا الأمريكي ، تفاقم الأزمة الى إهمال مصر لدورها الإفريقي. وقال صلاح ان الأزمة ليست حول المياه ولكنها سياسية بالأساس لان كمية المياه المستخدمة لا تتعدى 4% من مياه النيل وباقي الكمية تضيع فى المستنقعات، بالإضافة الى ان تلك الدول لا تمتلك وسائل تخزين المياه بكميات كبيرة . وأكد صلاح ان مصر تدفع الآن ثمن عدم الجدية وعدم وجود سياسة خارجية واضحة تجاه الدول الإفريقية فى السنوات الماضية . وكان رئيس الوزراء الكيني رايلا اودينجا قد أكد فى وقت سابق الاثنين أن دول المنبع في حوض نهر النيل "لا تفكر أبدا" في الإضرار بمصالح مصر المائية وذلك بعد توقيع عدد من دول المنبع على اتفاقية جديدة لتقاسم مياه النهر تعارضها القاهرةوالخرطوم. وظلت مصر واثقة لسنوات طويلة من أن اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تحصل بموجبهما على نصيب الأسد من مياه النيل، تضمنان حقها حيث تعطيان مصر والسودان قرابة 87 % من مياه النهر، كما تمنحان القاهرة حق تعطيل مشاريع في منابع النيل تعتبرها مضرة بمصالحها. وتخشى القاهرةوالخرطوم أن يؤثر هذا الاتفاق الإطاري الجديد على حصتيهما من مياه النيل إذ يتضمن إقامة العديد من مشروعات الري والسدود المائية المولدة للكهرباء في دول المنبع، كما بدأت مصر حملة دبلوماسية مكثفة لحث الدول المانحة والمنظمات الدولية على عدم تقديم تمويل لأي مشروعات على نهر النيل في هذه الدول. ومن جانبه، قال الدكتور إبراهيم نصر الدين- أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- إن مياه النيل من المنبع للمصب تبلغ 1660 مليار متر مكعب وأن مصر والسودان يستهلكان 84 مليار متر مكعب أي بنسبة 4% من نهر النيل وهو رقم لا يذكر، إذن ليست هناك مشكلة في الندرة بالنسبة للمياه في أفريقيا خاصة أن الدراسات الدولية تؤكد أن دول المنبع يكفيها 10% فقط من المياه الموجودة لديها، لأنها تعتمد بنسبة 90% علي مياه الأمطار، ويقول «نصرالدين» إن هذا يؤكد أن الأزمة سياسية وليست أزمة مياه. وقال الدكتور مصطفي الفقي: إن ما يحدث في دول منابع النيل تجاه مصر هو عبارة عن نتاج خطايانا منذ أربعين سنة أي منذ وفاة الرئيس جمال عبدالناصر بعد أن تخلت مصر عن دورها التاريخي في أفريقيا، مما دفع إسرائيل إلي أن تضع قدمها في إثيوبيا لكي تنسينا القضية الفلسطينية. كما أن الرئيس محمد حسني مبارك منذ 26 يوليو 1995 وحادثة أديس أبابا توقف ل 9 سنوات عن زيارة هذه الدول، مما كان له الدور في قطع أواصر مصر الرسمية بأفريقيا. ويعيب د. مصطفي الفقي علي الخارجية المصرية كيفية التعامل مع دول حوض النيل ويقول: إنه لا يوجد تصور كامل لهذا الملف.. ويجب الاهتمام بالجوانب التنموية في الجنوب الأفريقي وهذا «مربط الفرس» فليست هناك أزمة مياه ولكنها أزمة سياسية. أما السفير روبير إسكندر- سفير مصر الأسبق في إثيوبيا- فيقول: ليس صحيحاً أن إثيوبيا لديها موقف عدائي من مصر ولكن هناك علاقة ندية، ومصر يجب ألا تهمل موقف صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ويجب أن يكون لها يد في الجنوب الأفريقي من خلال التعامل مع زعماء القبائل هناك، وذلك لا يتأتي إلا بدراسة الجنوب الأفريقي.. فالعلاقات مع هذه الدول تحكمها القبائل.