عطا الشعراوى خبير فى الشئون العربية في قرار هو الثاني من نوعه، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في شهر يونيو الماضي مذكرة توقيف ضد العقيد الليبي “معمر القذافي” ونجله “سيف الإسلام” ورئيس استخباراته “عبدالله السنوسي”، وذلك استجابة لطلب مدعيها العام لويس مورينو-اوكامبو في السادس عشر من شهر مايو 2011 الذي اتهم القذافي ونظامه بإصدار أوامر لقتل المدنيين العزل. ولاقى هذا القرار ارتياحًا وقبولاً على الصعيدين الداخلي والخارجي كونه يمثل إدانة دولية لمعمر القذافي ونظامه ويزيد من الضغط الواقع عليه. إلا أن النظرة الموضوعية الشاملة لهذا القرار تجعلنا نميل إلى أنه في غير صالح الثورة الليبية، فرغم أن هذا القرار يحمل دلالات رمزية وسياسية عديدة ويعطي دعما معنويا للثوار في ليبيا، كونه دليلاً على أن القذافي فقد شرعيته وأصبح ملاحقا من طرف المجتمع الدولي، كما أنه سيزيد من عزلة القذافي ومن الضغط السياسي عليه لكي يغادر طرابلس. إلا أن القرار إضافة إلى أنه يحمل تبسيطًا شديدًا للأزمة الليبية حيث يحصرها في القذافي فقط، ويجعل من إزاحته حلاً لها، فإن هذا القرار قد يأتي أيضًا بنتائج عكسية على الأرض بعد أن بات القذافي لا يملك خيارًا سوى استمرار القتال ضد الثوار حيث إنه من المستبعد الآن التوصل إلى تسوية بين الطرفين، أو لجوء القذافي إلى مكان آخر خارج ليبيا، بعد أن ضاق عدد الدول التي يمكن أن تستضيفه، التي يمكن أن يكون فيها في مأمن من الملاحقة الجنائية الدولية. وهو ما قد يؤدي إلى ازدياد حدة المواجهات والقتال، ومن ثم تعقيد الوضع القائم. والملاحظ أن قرار المحكمة جاء في توقيت ربما يكون خاطئًا ولم تتوفر له الظروف المناسبة لتنفيذه، حيث تزامن مع دعوة الاتحاد الافريقي الى وقف فوري لاطلاق النار لإتاحة المجال امام المفاوضات، وبعد تقارير نقلت عن موسى إبراهيم المتحدث باسم القذافي اقتراح الحكومة “فترة من الحوار الوطني وانتخابات تشرف عليها الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي، فإذا قرر الشعب الليبي أن على القذافي الرحيل فسيرحل، وإذا قرر بقاءه سيبقى”. وهو ما يثير الشكوك في قرار اعتقال القذافي خاصة أن مثل هذا القرار لم يتخذ من قبل سوى مع الرئيس السوداني “عمر البشير” الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول اسباب ملاحقة القادة العرب دون غيرهم. إضافة إلى ذلك هناك صعوبات أمام اعتقال القذافي حيث يتطلب ذلك إما انقلابًا من جانب قادة نظام القذافي وقيامهم باعتقاله، أو تفوقًا واضحًا على الصعيد الميداني لصالح الثوار بما يمكنهم من إلقاء القبض عليه وهذا الأمر غير قائم حاليًا ومن غير المتصور حدوثه بدون تدخل عسكري بري من جانب قوات حلف الناتو وهو ما يرفضه الحلف حتى الآن وفقًا للأمين العام للحلف أندرس فوج راسموسن الذي أكد أن اعتقال القذافي ونقله إلى لاهاي ليس جزءا من مهمة الحلف، إضافة إلى أن الحلف نفسه يشهد خلافات بين أعضائه حول حدود التدخل في ليبيا. خلاصة القول، إن جرائم نظام القذافي واضحة للجميع وهي جرائم ضد الإنسانية وموثقة بأشكال وطرق قانونية مختلفة، إلا أن المصلحة كانت تقتضي تريث المحكمة الجنائية الدولية في إصدار قرار اعتقال القذافي من أجل التسوية السياسية في ليبيا، خاصة أن مثل هذا القرار لن يؤدي إلى تغييرات جوهرية على الأرض بما ينهي القتال الدائر حاليًا بين النظام والثوار في ليبيا.