لا ريب أن السياسة الأمريکية تحرکها المصالح و المنافع ، و أنها أولا ً و آخراً ليست بصديقة دائمة و لا عدوة دائمة ، و إنما تتحين الفرص و الظروف لکي تحقق أهدافها و غاياتها المتباينة ، و قد أثبتت الأحداث و الوقائع التاريخية هذه الحقيقة و بدت للعيان کبديهية لا تقبل البرهان . إن المنطقة العربية لفتت ، و تلفت اهتمام الولاياتالمتحدة الأمريکية و هي تسعى و منذ أفول النفوذ البريطاني في الوطن العربي لترسيخ وجودها و دورها عوضاً عنها ، و قد سعت السياسة الأمريکية لإرساء دعائم استراتيجية خاصة بها تضمن حماية مصالحها و حفظها من أية أخطار محدقة بها . و يقيناً أن أهم درس و عبرة أفادت منها الولاياتالمتحدة الأمريکية ، من سلفها بريطانيا ، التمسك بالمبدأ الاستعماري الخبيث " فرّق تسد " ، و هي و من أجل أن تثبّت أقدامها و تضمن عدم زعزعة مصالحها تلجأ لهذا المبدأ و تقوم بتفعيله و تنشيطه في أي مکان أو ثغرة تشتم منها رائحة الخطر . كما أن انهيار الکتلة الشيوعية وسقوط التجربة السوفياتية ، مهد الدرب و بشکل استثنائي للنفوذ الأمريکي کي يهيمن على المنطقة و العديد من النقاط المهمة الاخرى في العالم بشکل يکاد يکون مطلقاً ، لکن المشکلة التي عانت من تبعاتها في المنطقة العربية، هي أنها کان تعلم علم اليقين أن الأمة العربية لم تطمئن يوماً للسياسة الأمريکية و لا رکنت إليها ، و کانت غالبية الأمة العربية تدرك بجلاء أن الخط العام للسياسة الأمريکية في المنطقة ، فما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني ، کان و لا يزال يتميز بالانحياز المفرط للکيان الصهيوني ، و سعيها الحثيث لإرضاء هذا الکيان اللقيط على حساب العرب ، و على الرغم من أن السياسة الأمريکية ، و منذ مجئ الرئيس الأمريکي ( باراك أوباما ) ، تسعى للتأکيد على أنها بصدد تبني سياسة أکثر اعتدالاً و واقعية فيما يتعلق بالموقف من المطالب المشروعة للعرب و على وجه الخصوص قضية فلسطين ، لکنها ، و للآن ، لم تقدم شيئاً مفيداً ، و عملياً على أرض الواقع بإمکان العرب الوثوق به أو الاطمئنان إليه ، و إنما معظم ما قدم ، و يقدم ، لايتعدى الوعود و التطمينات ، أما الکيان الغاصب للأرض العربية فإنه ، و على عکس العرب تماماً ، يتلقى دوماً الکثير من المواقف الأمريکية المترجمة عملياً على أرض الواقع ، بل و حتى سياسة الولاياتالمتحدة الأمريکية حيال النظام الإيراني ، يکاد أن يکون في خطه العام ميالاً للانحياز لذلك النظام على حساب العرب ، و هو أمر بات العرب يتوجسون ريبة منه و يحبذون معرفة ما خلف السطور في العلاقات الأمريکية الايرانية ، و لاسيما الاتصالات السرية ، و الاتفاقات الضمنية الخاصة المبرمة ، أو التي ستبرم فيما بينهما ، و اليوم ، و نحن نشهد تصعيداً غريباً و استثنائياً في موقف اخوتنا الشيعة في کل من البحرين و المنطقة الشرقية من السعودية و اليمن و حتى البدون في الكويت ، إذ أن هناك تحريك مقصود و محدد للأمر باتجاه تحقيق أهداف معينة و النقطة اللافتة للنظر و التي تبعث على القلق و الريبة معاً أن هناك تناغماً ، و سياقاً سياسياً أمريکياً إيرانياً يکاد يرقى الى مستوى التنسيق بخصوص قضية الشيعة العرب ، و لو ظن البعض أننا نبني نظرتنا هذه على أساس فرضيات و تخمينات ، فإنهم مخطئون ، ذلك أن السياسة الأمريکية البراجماتية قد سبق لها و أن اتفقت مع السياسة الإيرانية فيما يتعلق بأفغانستان وعقد مايمکن تسميته إتفاقا ضمنيا محددا، واليوم، تعود هاتان السياستان المعاديتان اساسا لآمال وتطلعات الامة العربية لکي تتفقان کجانبي المقص تماما فيما يتعلق بالموقف من قضية الشيعة العرب، حيث هناك شحن ثوري غير عادي وحماس وتأليب استثنائي من جانب النظام الايراني للشيعة العرب في البحرين و السعودية و اليمن، وفي نفس الوقت نجد موقفا أمريکيا منسجما تماما مع هذا الخط الايراني ولکن بنمط آخر يؤکد على الديمقراطية"المنتهکة"و الحقوق"المغصوبة"، وکأن واشنطن قد صحت فجأة من غفوتها وانتبهت الى أن هنالك شيعة عرب وان"آيات الله"الامريکان قد وجدوا من واجبهم الافتاء بدعمهم و مساندتهم!اننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، ومن خلال قرائتنا و فهمنا وتحليلنا لما يجري بخصوص قضية إثارة مسألة الشيعة العرب في العديد من الدول العربية ولاسيما في البحرين والسعودية بشکل خاص، نجد أن الامر هو أبعد من ذلك الافق الذي حددوه وأعلى سقفا وبکثير من ذلك السقف الذي حددوه، واننا نشم منها ريحة طبخة تآمرية جديدة ضد الامة العربية بشکل عام وضد شعوب دول البحرين والسعودية واليمن بشکل خاص، وان تشدق کل من النظام الايراني والولاياتالمتحدة الامريکية بشعارات براقة فيما يتعلق بالشيعة العرب هو کلمة حق يراد بها باطل ذلك أن مصلحة هاتان الدولتان لاتتفقان أبدا مع المصلحة الوطنية والقومية و الاسلامية لهذه الدول العربية، واننا نحث ونهيب بأخوتنا الشيعة العرب أن ينتبهوا جيدا من هذه المؤامرة الخبيثة التي تدس السم في العسل و تخلط بين الحق والباطل من أجل مآرب مشبوهة و اننا نرى أن کل من يشارك او يساهم بإنجاح او تفويت هکذا سياسة خبيثة مشبوهة تقوض من أمن و سلامة ووحدة التراب الوطني للدول العربية ذات الصلة بالموضوع بمثابة خيانة عظمى لاتغتفر وندعو جميع اخواننا الشيعة الى التدقيق والتمعن قبل الانجراف والانجرار خلف الشعارات البراقة و تغليب مصلحة بلدانهم وشعوبهم على أية مصلحة أخرى وان ثقتنا عالية باخواننا الشيعة وانهم سوف لن يندفعوا في هذا الاتجاه الخاطئ.ياأيها الذين آمنوا إن جائکم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين. *المرجع الاسلامي للشيعة العرب