دكتور يونان لبيب رزق عن الهيئة المصرية العامة للكتاب صدر كتاب للمؤرخ الكبير دكتور يونان لبيب رزق بعنوان "مصر المدنية فصول فى النشأة والتطور" نقدم اليوم بين أيديكم هذا الكتاب الذي تأتى أهميته في الوقت الحاضر وسط لغط كبير حول الطوائف والفرق في مصر . والأهمية تأتى من حيث التوثيق والتأريخ الذي يوضحه الكتاب حيث أن فكرة الكتاب تتلخص حول كيف تحولت مصر عبر العصور إلى أن وصلت لدولة مدنية مكتملة الأركان . وجدير بالذكر أن هذا الكتاب تمت كتابته في عام 1993 وكان يقصد به المؤرخ الكبير دكتور يونان لبيب رزق الشباب حيث ساد في تلك الفترة العديد من الأقاويل وظهرت حركات تريد العودة بمصر إلى العصور الوسطى عن طريق مغالطات مدسوسة في التاريخ المصري وفى ذلك يقول "بإختصار استمر التاريخ المصري الحديث الذي يقدمه سائر الفر قاء يتلقى اللكمات من الجميع الأمر الذي لم يتوقف بعد إغتيال الرئيس السادات وهى لكمات أدت إلى تشوهات ظاهرة لهذا التاريخ أفقدت المصريين أو على الأقل الجيل الجديد منهم الذي أستقى أغلب معارفه التاريخية من هؤلاء الفر قاء إيمانهم بما عرفوه عن تاريخ الوطن المصري خلال الحقبة السابقة وكان هناك المتربصون بهذا التاريخ والساعون إلى حذف القرنين الأخيرين من ذاكرة المصريين مما أحدث عملية الطمس الواسعة " لا فتنة ولا طائفية في البداية يوضح لنا المؤرخ أن أسباب الفتنة والطائفية أنتهت من مصر فالطائفية بمعناها السياسي قد أخذت في الإندثار بعد بناء الدولة المركزية في عهد محمد على وأختفت كذلك شيوخ الطوائف وكذلك الأمر في الطائفية الاقتصادية تيعا لما حدث في تلك الفترة من إعادة للهيكلة الاقتصادية المصرية والتي بات بنظام الإقطاع ثم تحولت إلى الرأسمالية بمعناها الليبرالي والطائفية بمعناها العرقي أختفت أيضا بعد أنا كان للشوام والمغاربة وغيرهم طوائف خاصة بهم ولم يتبقى سوى الأسماء فقط مثل المغربي والشامي........الخ ونأتي إلى النقطة الهامة وهى الطائفية بمعناها الديني وفى ذلك يقول " الطائفية الدينية التي تعنينا تجسدت خلال العصر العثماني في حارة النصارى وحارة اليهود وكان محتوما أن تتفكك هذه الحارات الدينية بنفس الوتيرة التي تفككت بها الحارات الأخرى ولم يعد النصارى أو غيرهم يعيشون في حارات خاصة بهم وكان ما حدث فى القاهرة والإسكندرية إمتداد عمراني حول مراكزها القديمة فرصة لينهار الشكل القديم من حارات تجمع الطوائف لتقوم إحياء جديدة تضم الجميع مسلمون وأقباط وغيرهم ويقول أن بعد ذلك أنتهت تماما مظاهر التمايز الطائفي بين المصريين على أساس ديني فأنصهروا جميعا داخل مساكن واحدة ومدارس واحدة و أندمجوا في جميع الأماكن لذلك فأن القول بأن هناك طائفية أمر غير معقول من معطيات سابقة هل العلمانيون كفرة في هذا الفصل يوضح لنا المؤرخ كيف وصل الحال إلى تكفير كل من يدعوا إلى العلمانية مستشهدا بمقتل الدكتور فرج فوده. و يوضح لنا العلمانيين المسلمين والذي ضموا جيلين على الأقل وهما قاسم أمين وفتحي زغلول ولطفي السيد وكذلك الشيخ محمد عبده وجيل العشرينيات مثل طه حسين وهما من دعاة الوسطية بين العلمانية والإسلام دولة الكرادلة وفي هذا الفصل يعقد الكاتب مقارنة بين ما كان يحدث في أوروبا خلال العصور الوسطى من خلال حكم الكنيسة المطلق بحجة التفويض الإلهي وبين دولة الخلافة الإسلامية والتي أختلفت عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة في أوروبا وهو أن في مصر كان الحكم للعسكر الذين أخذوا من الجهاد صبغة شرعية لهم ويوضح التاريخ أن المؤسسة العسكرية كانت هي الحاكم لمصر يليها المؤسسة الدينية لتعطى شرعية لحكم العسكر ويقول " وكالعادة في تاريخ البشرية عندما تصل الأمور إلى هذا الحد وتتحول الوظيفة الإجتماعى للدين من أداة تطوير وتنوير إلى أداة لتحقيق مصالح فئات بعينها يصبح مطلوبا وبإلحاح إحداث تغيير" صدمة الخروج من الكهف بهذا الفصل يعبر الكاتب عن دخول الحملة الفرنسية إلى مصر وما تبعها من تغير كبير فى مفهوم الوطنية المصرية وهنا كانت مؤشرات إنهيار اللامركزية وأهمها هدم مساطب البحوانيت ورفع أحجارها وكذلك دخول الفرنسيون إلى الحواري المصرية إسقاط اللامركزية وهى الفترة التي أنتهت فيها اللامركزية وذلك عن تفرد محمد على بالحكم بعد مذبحة القلعة الشهيرة والتي قضى بها على المماليك وفى سنوات قليلة وصلت المركزية إلى الريف المصري وبذلك أحكمت المركزية قبضتها على البلاد . ثم يبدأ تجسيد المركزية ووضع أسس للدولة المدنية عن طريق تجنيد المصريين بعد أن ظلوا عقودا يدافع عنهم الأجانب وكانت تلك أكبر خطوة لترسيخ معنى الوطنية المصرية ويلي ذلك ظهور الطبقات المتعلمة والمثقفة والتي حملت التنوير لكل المصريين وكان معظمهم في المدن مما أدى إلى مركزية أكبر حتى على الوضع الاقتصادي حيث كانت القوة الاقتصادية متمثلة في الريف ولكنها كانت تدار من المدن في النهاية كانت هي تلك الخطوات التي مرت بها مصر للوصول إلى دولة مدنية وينتهي معها فصول كتابنا المشوق