بينما لم يجد بعض المشاهير من "فقهائنا" سوي قضايا من سقط المتاع، وسفاسف الأمور، مثل حق المسلم المعاصر في شراء عدد لامتناه من "المحظيات" - بشرط ألا يكن كتابيات! - ومثل الحل "العبقري" لمعضلات اختلاف الرجل بالمرأة عن طريق قيام المرأة بإرضاع السائق أو السفرجي أم من في حكمهما!! أصدر الدكتور ابراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربية كتاباً مهما عن "مجتمع المعرفة". وفي تقديم هذا الكتاب المهم الذي يبدو سباحة ضد التيار، قال عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية إن كتاب "نحو إقامة مجتمع المعرفة - حقوق الانسان العربي" الذي أعده الدكتور ابراهيم قويدر.. "صيحة تحذير للأمة العربية أكد فيها انه لن تتاح للعرب فرصة جادة للمساهمة الفعالة في اعادة تشكيل النظام العربي، كي يصبح أكثر عدالة وأوفر دعما لاقامة مجتمع المعرفة وبناء التنمية الانسانية في الوطن العربي، طالما بقوا علي فرقتهم، وتباين آرائهم، وبطء تطور مجتمعاتهم". وقد وصل المؤلف إلي نتيجة مفادها "أنه لن يكون أمام العرب، مع استمرار تغييب المعرفة في الوطن العربي، إلا الانتساب إلي مجتمع المعرفة العالمي من موقع ضعف، والانصياع لشروط أقويائه، مثل حماية حقوق الملكية الفكرية، التي تؤدي بشكلها الراهن إلي خدمة الأقوي في هذا المجال، وبالتالي زيادة أسباب التراجع عنه لمن لا تتوافر لهم أسباب القوة في العالم القديم الجديد، قديم بمنطق الصراع البشري، وجديد بأسباب القوة وسبل حسم الصراع". وأضاف عمرو موسي ملحوظة ثاقبة أخري هي أن "كل صفحات هذا الكتاب تمجد الديمقراطية وتدعو إلي تدعيمها، ومن هنا ربط المؤلف بين الحرية والتنمية الانسانية، حين أكد ان التقدم العلمي، تحت القهر، يرتبط بالتضييق علي الحريات مما يؤذي التنمية الانسانية ويضيق أمامها الأسباب. أما اذا أردنا في وطننا العربي معرفة راقية في شتي مجالات الابداع فالحرية لازمة، وإن أردنا تنمية انسانية من خلال اكتساب المعرفة فالحرية لا غني عنها، لأن المعرفة والخبرة، لا الأصول المادية أو المالية، هي المحددات الجوهرية للانتاجية والتنافسية في عالم اليوم والغد". ومع اعتراف عمرو موسي بهذا "التردي في مجال الفكر والمعرفة والابداع الذي هدد مجتمعاتنا العربية في الآونة الأخيرة"، فانه مازال يؤمن بأن لدي الأمة العربية مقومات مجتمع المعرفة اللازمة للانطلاق والقوة والنهضة إذا ما استغلت هذه المقومات بالاتجاه الصحيح. واذا كان للأمة العربية تاريخها في انتاج المعرفة وتصديرها إلي العالم فان "عودة حق المعرفة للانسان العربي هي السبيل الأول لتوجيه الأمة العربية إلي سابق عهدها". أما الدكتور إبراهيم قويدر فيحدد في كتابه المهم أن المقصود بمجتمع المعرفة "ذلك المجتمع الذي يقوم أساسا علي نشر المعرفة وانتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة، والحياة الخاصة، وصولاً لترقية الحالة الانسانية باطراد، أي اقامة التنمية الانسانية. في هذه المجتمعات تلعب المعرفة دوراً حاسماً ومتعاظماً، في تشكيل بناها المجتمعية، وأدائها في مجالات الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة، وفي حياة أعضاء هذه المجتمعات، بحيث يتكثف المدخل المعرفي في الحياة اليومية لهم، وفي مجال العمل - علي وجه الخصوص - يزداد عدد العاملين في منظومة المعرفة، ونصيبهم من قوة العمل، وترتفع نسبة وقت العمل المخصصة للأنشطة المعتمدة علي كثافة المعرفة. وبلغة الاقتصاد، تعني اقامة مجتمع المعرفة تأسيس نمط انتاج المعرفة عوضا عن هيمنة نمط الانتاج الريعي، الذي تشتق القيمة الاقتصادية فيه أساساً من استنضاب المواد الخام، القائم الآن في أغلب البلدان العربية، إما مباشرة في البلدان العربية البترولية أو اشتقاقا في غيرها نتيجة للاعتماد علي المعونات وتحويلات العاملين من الأولي. وعلي وجه الخصوص يذهب الدكتور ابراهيم قويدر إلي القول بأن مجتمع المعرفة تتعدد فيه المؤسسات المجتمعية التي تنتمي إلي منظومة المعرفة، نشراً وانتاجاً، وتتناغم، وتضمن مجتمعات المعرفة سياقا مجتمعيا مواتيا لنشاط منظومة المعرفة، بحيث يتأسس فيها ما يمكن أن يسمي "ثقافة المعرفة" شاملة قيم الحظر علي اكتساب المعرفة وتوظيفها، وسبلا فعالة لاثابة نشر المعرفة وانتاجها. أي أن تحدي اكتساب المعرفة يكمن في تحويل المجتمع من منظومة تضم بعض أفراد "عارفين" إلي منظومة تتمحور بكاملها حول ايجاد المعرفة ونشرها في ربوعها كافة وتوظيفها بكفاءة في ترقية الحالة الانسانية.