ظاهرة تفشت فى مصر وأصبحت - رغم صعوبة إثباتها وضبطها – حديث الناس فى المجتمع، يعرفها الذى يعمل والذى يبحث عن عمل، ولها أسواق وشبه متخصصين يديرونها بشكل شبه علنى فى أماكن العمل وعلى المقاهي، ولها سماسرة متصلون برجال نافذون فى الحكومة وأعضاء فى مجلس الشعب يستغلونهم فى التلاعب بأحلام البسطاء ، هى ظاهرة بيع الوظائف. وفى السعى للحصول على فرصة عمل فى المجال الحكومى يلجأ المحتاج إلى أى طريق ، وغالبا ما يسقط فى طريق سماسرة التوظيف الذين يستغلون وضعهم وعلاقاتهم بالمسؤلين فى الحصول على فرص عمل وبيعها للشباب أو الباحثين عن فرصة عمل ، ويستغل هؤلاء علاقاتهم بأعضاء مجلس الشعب أو يعملون معهم فى مكاتبهم المفترض أنها لخدمة المواطنين حيث يعمد هؤلاء الأفراد إلى نشر دعاية عن قدرة العضو على توفير فرص العمل بالسعر المناسب ويضطر أصحاب الحاجة إلى بيع ممتلكاتهم أو يدفع الأهل لإبنهم تحويشة العمر مقابل توفير فرصة عمل له ، وتكون الفاجعة عندما تأتى تأشيرة التوظيف التى حصلوا عليها من النائب غير سارية حيث يفقد هؤلاء أموالهم ولا يحصلون على فرصة العمل . و ساعد على تفشى هذه الظاهرة ماهو مشهور عن حصة أعضاء مجلس الشعب من الوظائف الحكومية هذا على الرغم من صدور قرار من رئيس الوزراء بإلغاء التوظيف بواسطة أعضاء مجلس الشعب منذ عام 2006 إلا ان الواقع يؤكد أن الناس لاتعرف شيئا عن هذا القرار وبالتالى فالاتجار بالوظائف مستمر(!) أكثر من هذا وضع هؤلاء السماسرة قائمة بأسعار الوظائف تتناسب مع طبيعة الوظيفة والأجر الشهرى حيث يتراوح ثمن وظيفة المحاسب فى البنوك الحكومية من 40 إلى 50 ألف جنيه بينما يتراوح ثمن الوظيفة فى قطاع الكهرباء من 25 إلى30 ألف جنيه ، وفى قطاع البترول ثمن الوظيفة يختلف وفقا لمكانة الشركة حيث يبلغ ثمن الوظيفة فى الشركات الكبرى 30 ألف جنيه بينما يتراوح ثمن الوظيفة فى الشركات الصغرى من 20 ألف إلى 25 ألف جنيه ، وهناك العديد من ضحايا التوظيف بهذه الطريق روى لنا بعض هؤلاء الضحايا مآساتهم ل " مصر الجديدة ": تقول السيدة «ندى» من دمنهور بمحافظة البحيرة إنها أرملة فى الستين من عمرها، وأم لبنتين وولدين، وقد بذلت المستحيل لتأمين وظيفة لابنها الكبير «كريم»، الذى حصل على دبلوم صناعى قبل حوالى 5 سنوات ، حيث باعت جميع ما تملك وهى بعض القراريط الزراعية وبعض المقتنيات الذهبية البسيطة من أجل توفير ثمن فرصة عمل لنجلها إلا أنه منذ العام الماضى وحتى الآن نجلها لم يحصل على فرصة عمل حقيقية وإنما حصل على تأشيرة موافقة على العمل بإحدى الشركات الحكومية وهذه التأشيرة لم تقبلها الشركة . وتضيف إنها منذ الحصول على هذه التأشيرة تسعى إلى مقابلة السمسار الذى باع لها الوظيفة دون أوراق رسمية إلا أنه يتهرب من مقابلتها وعندما يساعدها الحظ بمقابلته يعدها أن المسألة مسألة وقت. ويروى لنا حسن حكايته مع أحد سماسرة بيع الوظائف ، قائلا أنه فور حصوله على تأشيرة موافقة للعمل فى إحدى القطاعات الكبرى بعد دفع المبلغ الذى تم الاتفاق عليه فوجىء بأن التأشيرة مزيفة وأن الموظفين المختصين بالوزارة اكتشفوا هذا التزييف وتم عمل محضر بالواقعة وترتب على هذا الإجراء متاعب كثيرة بالنسبة له أثرت على حياته العملية فيما بعد. وتشير قصة أحمد مع شراء الوظيفة الى وجود فئة مازالت تواجه الفساد ويحكى فيقول إن أسرته اضطرت لبيع قطعة الأرض الصغيرة التى كانت تملكها والتى كانت تساعد فى الإنفاق على الأسرة كما أنها اضطرت أيضا لبيع بعض الحيوانات المنزلية التى كانت بحوزتها وعندما ذهب يقابل الموظف المسئول عن توظيفه أكتشف أن الوظيفة مضروبة ، ومع الصدمة ظهرت عليه علامات التذمر وبدت على وجهه بشكل لفت نظر الموظف المختص مما جعله يشك فى الأمر خاصة وأنه كان ضمن مجموعة يصل عددها إلى سبعة أفراد ويقول أن ذلك جعله يعترف بحقيقة ما حدث للموظف الذى نصحه بالإبلاغ عن الواقعة وبالفعل تم تحرير محضر بالواقعة واتخذت الإجراءات القانونية ضد السمسار ، وفى نفس الوقت قبلت الشركة تشغليه بعد التأكد من حاجته للعمل . هذه ليست الحالات الوحيدة أو الأخيرة للإتجار بفرص العمل ولكنها تشير إلى وضع خاطىء يساعد على استمراره قلة الفرص الحقيقية للعمل و الخلل فى مجال التوظيف. محاولات الضبط مصدر أمنى أكد ل"مصر الجديدة" أنه تم تحرير العديد من المحاضر ضد بعض أعضاء سماسرة بيع الوظائف وأن الرقابة الداخلية لبعض الشركات ونزاهة القائمون عليها كانوا بمثابة عامل رئيسى فى إثبات هذه التهم ، وأضاف إنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد هؤلاء. حصة النائب ويقول النائب محمد تليمة عضو مجلس الشعب أن الحصة المخصصة للنائب من الوظائف تعد السبب الرئيسى حيث تفتح الباب أمام ممارسة هذا النشاط الذى يسيء لسمعة الشرفاء من الأعضاء الذين يسعون بجدية لخدمة أبناء دوائرهم الانتخابية فى الحصول على فرص عمل . ويضيف أن وقف التوظيف مباشرة من خلال أعضاء مجلس الشعب ساعد فى الحد من هذا النشاط وأكد انه يطالب بصدور قرار من رئيس الوزراء بمنع حصة أعضاء مجلس الشعب من الوظائف الحكومية لما يترتب على هذه الحصة من متاعب بالنسبة للشرفاء من الأعضاء -. الانفلات الاجتماعى والخلل فى قطاع التوظيف بينما تؤكد الدكتورة سوسن فايد الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن ما يحدث يؤكد حالة الإنفلات الاجتماعى التى يعيشها المجتمع المصرى والتى يساعد استمرارها على تهديد الأمن والسلام الاجتماعى وزيادة الخلل فى قطاع التوظيف وهو ما يهدد بدوره سوق العمل ويعمل على زيادة الفساد وتؤكد أن ذلك الخلل الشديد بين السياسات التى يتم وضعها والواقع الفعلى للمجتمع الذى ينفصل كلية عن هذه السياسات هو السبب فى تفشى هذه الظاهرة . وترى أن مواجهة هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التى باتت تهدد المجتمع يحتاج الى إعادة نظر فى الأوضاع الكلية للمجتمع والسياسات التى يتم صياغتها لحل الأزمات الإجتماعية المختلفة وآليات تطبيق هذه السياسات .