تتعالي المطالب بين الحين والآخر بين أبناء السلك القضائي بتقنين ظاهرة توريث الوظائف العامة في معظم مؤسسات الدولة بدعوي أن "ابن الوز عوام" وتأتي هذه المطالب انطلاقاً من الايمان بمعادلة شهيرة هي أن تقدير مقبول + بيئة قضائية = قاض المعادلة التي أصابت جموع القضاة بالصدمة لأنه من غير الجائز أن صاحب التقدير المقبول يجلس علي منصة القضاء في هذا التحقيق نناقش مخاطر أن تصل ظاهرة التوريث الي منصة العدالة الملجأ والملاذ التي يحتمي بها الفقراء والضعفاء والمساكين الذين تنتهك حقوقهم، حيث كان في السابق الحديث عن "التوريث القضائي" من المحرمات التي لا يمكن لأحد أن يتحدث فيها. اعتبر المستشار محمد حامد الجمل الرئيس السابق بمجلس الدولة أن الوظائف العامة وفي مقدمتها القضاء طبقاً لأحكام الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مونترالظ لاستقلال القضاء ولأحكام الدستور المصري، حق لكل المصريين الذين تتوافر فيهم الكفاءة والجدارة الأخلاقية، وعلي سبيل المساواة مع غيرهم من أمثالهم لا يسمح مبدأ المساواة وسيادة القانون والعدالة معاً، بأن يميز في التعيين في هذه الوظائف بصفة استثنائية أبناء أي فئة أو طائفة أو أصحاب سلطة لأنه من غير المقبول أن يتم تعيين القاضي بصفة استثنائية لقرابة أو محسوبية أو وضع اجتماعي دون الكفاءة والأهلية لأن ذلك يجعل هذا الشخص موجوداً بصفة استثنائية بالتقدم علي زملائه الأكثر منه جدارة وتفوقاً ولا يعرف القانون مسألة توريث المهن، لأن التأهيل لمهنة معينة وخاصة مهنة قاض تحتاج إلي التفوق في علم القانون والمعرفة القانونية من جهة وكذلك توافر الأخلاق الحميدة وأكد المستشار حامد الجمل أن الثابت في مصر أن كبار رجال القضاء وفقهاء القانون احتلوا المراكز الأولي في كليات الحقوق ولم يكن والد أحد منهم قاضياً أو مستشاراً أو وزيراً ومن هؤلاء عبدالعزيز باشا فهمي شيخ القضاة والدكتور عبدالرازق السنهوري وبدوي حمودة رئيس مجلس الدولة السابق وغيرهم العديد من الأفذاذ من رجال القضاء والحقوق فهؤلاء عينوا في القضاء لنبوغهم ، لكن في الزمان الحالي الذي يبتدع استثناء لتوريث السلطة بالمخالفة للدستور والعدالة ومبدأ المساواة. وشدد الجمل علي أن الصالح للوطن يحتم أن تكون الكفاءة العلمية الصحية والصلاحية الأخلاقية هي الأساس في الحصول علي الوظائف العامة وعلي رأسها الوظائف القضائية والأخذ بغير ذلك فضلاً عن كونه مخالفاً للدستور والاتفاقات الدولية يؤدي إلي انحدار الكفاءة اللازمة للعمل القضائي وشيوع المحسوبية وعدم الالتزام بسيادة القانون وهذا من أخطر ما تتعرض له أية أمة والعجيب أن الأمم المتقدمة لا تعتد إلا بالكفاءة والصلاحية الأخلاقية لشغل أي منصب عام وبخاصة المناصب القضائية وأننا في هذا الزمان الرديء نترك الأوائل عاطلين ونعين بدلاً منهم استثناء أبناء المحظوظين المحتكرين للسلطة ولعل تدهور المرافق العامة في مصر خلال الحالية سببه إهدار الكفاءة من أجل المحسوبية. تؤكد الدكتورة فوزية عبدالستار رئيس اللجنة التشريعيةبالشعب سابقاً أنها من أكثر الناس رفضاً لتعيين الطلاب أصحاب التقدير المقبول في السلك القضائي.. وتقول أن اعتراضها كان نابعاً من رفضها لمبدأ تعيين هؤلاء الطلاب لمجرد أنهم أبناء مستشارين أو قضاة، لأنه لابد أن يكون الحق الوحيد للتعيين في القضاء للكفاءة فقط وليس لعامل آخر وليس للبيئة دخل في القبول أو الرفض لأنه لو كانت البيئة مؤثرة تأثيراً فعالا كان تجلي ذلك في الناحية العلمية بمعني حصول أبناء المستشارين علي تقديرات عالية وليس العكس لأن حصولهم علي تقديرات ضعيفة يشي بعدم الفهم أو الرغبة في الفهم الواعي لدراسة القانون. ولفتت فوزية عبدالستار إلي أن المناصب القضائية مناصب بالغة الحساسية لأن الخطأ في ممارسة العمل القضائي خطأ جسيم قد يؤدي إلي إصدار حكم خاطئ بالإعدام، ومن ثم لابد أن يكون القاضي أو المستشار علي درجة علمية رفيعة المستوي لكي نضمن تحقيق العدالة لأقصي درجة ممكنة. ومن جانبه شدد المستشار مجدي العجاتي نائب رئيس مجلس الدولةعلي ضرورة أن يكون القاضي متفوقاً إعلميا لأنه أمر ليس محل اختلافأو تحايل لأن السلك القضائي أسمي وأرفع المناصب داخل الدولة وبالتالي فإن القاضي لابد أن يكون أهلا لإقرار العدل بين المتخاصمين مشيراً إلي أن القانون كان حازماً في هذا الصدد بتأكيده علي ألا يعمل داخل السلك القضائي سوي الطالب الذي يحصل علي تقدير جيد علي الأقل، وأن الدفعات الاستثنائية التي يتم من خلالها قبول الطلاب ما دون هذا التقدير بمثابة تحايل يسيء إلي منصة القضاء لأنه إذا لم يكن الطالب متفوق علمياً فلن يستطيع فهم القانون بصورة تضمن له تحقيق العدالة بين المتخاصمين وانتقد العجاتي الأصوات التي تجاهر بمثل هذه الأمور، مطالباً بضرورة التصدي لهذه الأصوات حتي لا يتم تلطيخ ثوب العدالة بالبقع السوداء.