يبدو أن مستقبل مصر السياسى يشغل كثيراً فكر المراكز السياسية والإعلامية العالمية، و مجلة الايكونوميست البريطانية من أبرز المنابر الإعلامية مصداقية وثقلاً سياسياً، التى خصصت منذ أشهر ملفات عن مسألة الخلافة السياسية فى مصر، وفى عددها الصادر اليوم قدمت المجلة موضوعاً تحت عنوان (مصر بعد مبارك.. اتخاذ الإجراء المناسب فى مكانه المناسب) تمركز فيه حديثها حول فكرة ترتيب الأوراق على المشهد السياسى للبلاد فى مرحلة ما بعد الرئيس مبارك. وتلفت فى بداية حديثها إلى تجدد ظهور قضية الخلافة فى مصر بعد تناثر الأقاويل المتعلقة بصحة الرئيس، خاصةً بعد وفاة حفيده، الذى كانت تربطه به علاقة حميمة، حيث لم يظهر بعدها على مدار أسبوع كامل. وعلى الرغم من تأكيد المجلة على عدم وجود سيناريو واضح للخلافة أو توريث الحكم فى مصر، إلا أنها أشارت إلى أن تلك القضية تثير انزعاج المصريين (والأجانب الذين يوجهون أنظارهم صوب أكبر دول العالم العربى من حيث الكثافة السكانية، نحو 80 مليون نسمة) منذ نحو عشرة أعوام. ثم تسرد المجلة تاريخ الرئيس مبارك فى الحياة السياسية، بدايةً من قيادته لسلاح الطيران المصري، ثم تعيينه فى منصب نائب الرئيس عام 1975، ثم اعتلائه لمنصب الرئيس بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات على يد الإسلاميين المتشددين بسبب إبرامه لاتفاق سلام مع إسرائيل. كما أشارت إلى أنه ومنذ ذلك الحين، يرفض الرئيس مبارك إسقاط أى إشارة تتعلق بمسألة الخلافة، لعدم رغبته فى نشوب صراع قبيح على السلطة، قد يؤدى إلى تقاعده سريعًا عن منصبه. وفى جزئية محورية لها علاقة بطبيعة الأجواء والترتيبات التى قد تسير على نهجها المتغيرات السياسية فى البلاد خلال المرحلة المقبلة، تشير الصحيفة إلى الجزئية الخاصة بعدم وجود نائب للرئيس مبارك، وهو الأمر الذى يعتبره بعض المحامين بمثابة الإجراء غير القانوني. وهنا تحدثت الايكونوميست عن السيناريوهات الوارد حدوثها على المشهد السياسى للبلاد لمرحلة ما بعد الرئيس مبارك، حيث سيقوم رئيس مجلس الشعب بمهام الرئيس لمدة تصل إلى ستين يومًا، لكن لن يكون بمقدوره الترشح بعدها لمنصب الرئيس. وإذا لم يتواجد رئيس مجلس الشعب لسبب أو لآخر، فإن رئيس المجلس الدستورى هو من سيقوم بمهام الرئيس المؤقت بموجب الشروط ذاتها. وخلال هذه الفترة، لا يمكن تغيير الدستور أو إقالة الحكومة. وحول المرشحين لخلافة الرئيس مبارك، تقول الايكونوميست إن هذا الموضوع يشغل بال كثير من المصريين منذ عدة سنوات، ومع هذا، فلم يسبق لأى من المرشحين الأوفر حظًا، وهما جمال مبارك، الذى يشغل منصبًا بارزًا فى الحزب الوطنى الحاكم، واللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، أن تحدثا صراحة عن رغبتهما الترشح لنيل المنصب الرئاسى الرفيع، فيما تشير إلى أن هناك أيضًا أسماء أخرى يتم طرحها بين الحين والآخر، من بينها، دكتور محمد البرادعي، الذى يترأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 1997 ويستعد لمغادرتها فى نوفمبر المقبل، وكذلك عمرو موسى، وزير خارجية مصر السابق والأمين العام الحالى لجامعة الدول العربية. وعلى الرغم من انقسام الآراء فيما بين المصريين حول المرشح الذى ستكون له الغلبة، والذى سيقود البلاد بشكل أفضل، إلا أن المجلة تقول إن الكفة عادةً ما تميل فى نهاية الأمر لصالح جمال مبارك، 46 عامًا، الذى نجح فى فرض نفسه وليًا للعهد من خلال قيامه بضخ دماء جديدة فى الحزب الوطنى الحاكم، ودعمه للإصلاح التكنوقراطي، كما وصفته المجلة بأنه شخصية تتمتع بقدر كبير من الهدوء، كما أنه يحرص على إحاطة نفسه ببعض من أثرى أثرياء مصر. ويرى بعض المحللين أن التعديلات الدستورية التى تم تمريرها فى عام 2007، سيكون من شأنها أن تُجرد أى مرشح آخر أو أى قوة سياسية من القدرة على معارضته باعتبار أنه سيكون مرشح الحزب الوطنى الأوفر حظًا. بينما يرى منتقدون أن جمال يفتقر إلى الشعبية، وأن كثير من المصريين أو القوات المسلحة لن يرحبوا بنقل إرث السلطة إليه. وهنا نقلت الايكونوميست عن السياسى المعارض البارز، أسامة الغزالى حرب، قوله: "فى حالة غياب الرئيس مبارك عن الساحة، سوف تنشب حالة من الفراغ السياسي. وسيكون الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على ملء هذا الفراغ، وسنجد انتشارًا للدبابات فى الشوارع". وبحسب وجهة النظر هذه، فإن اللواء عمر سليمان، 73 عامًا، سيصبح الرئيس من خلال عملية انقلاب دستوري، وهو السيناريو الذى يأمل حرب فى أن يدفع وقتها إلى مرحلة انتقالية تقود نحو مزيد من السياسات الديمقراطية. لكن الايكونوميست أوضحت أن علاقات سليمان الشخصية بكبار العسكريين لا تتسم دائمًا بالوضوح. كما تشير إلى أن السياسة العسكرية عادةً ما تتميز بالغموض. فضلاً عن أن الخلافة تتم فى كل دولة عربية وفقا ً لقواعدها الخاصة، ولا يستعبد، بحسب الصحيفة، احتمالات تشكيل مجلس عسكرى للاستيلاء على السلطة فى مصر مستقبلاً. فى حين أشارت هالة مصطفي، رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية التى تصدر عن مؤسسة الأهرام، إلى أنه من الصعب قياس الشعبية التى يحظى بها أى فرد فى مصر خارج صناديق الاقتراع. وتابعت بالقول :" لكن يمكننى القول أن سليمان شخصية تحظى باحترام بين النخبة وبين الحزب الحاكم وبين الصفوة الحاكمة بشكل عام". وعن رأيها فى احتمالية خوض جمال وسليمان لغمار منافسات الانتخابات الرئاسية، تقول مصطفى أن منصب الرئيس سيكون على الأرجح من نصيب جمال، بينما سيصبح سليمان نائبًا للرئيس. وتضيف مصطفى أن سليمان إذا كان يرغب فى ترشيح نفسه لمنصب الرئيس، فسيتعين عليه الاستقالة من منصبه كرئيس لجهاز المخابرات، وسيكون عليه أن يخوض الانتخابات إما كمرشح مستقل، أو كمرشح عن الحزب الحاكم.