أيام طويلة ونحن نسمع اسم رابعة العدوية ليل نهار ، ورغم ذلك التكرار للاسم إلا أن من قدر مصر وغيرها من الدول العربية التي تعاني خللاً في الثقافة عميقاً وكبيراً أن تغفل هي وغيرها عن ذكر إشارات سريعة لهذه السيدة الرائعة في تاريخ الإسلام عامة وفي تاريخ أهل التصوف الإسلامي خاصة ، وطالما شاهدنا جملة مباشر من رابعة العدوية المكان الذي احتضن اعتصام جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها ضد عزل الرئيس السابق محمد مرسي إلا أن الثقافة المصرية تصر أن تمارس دوراً جديداً في تغييب المواطن بحجب معلومات وبيانات ومعارف عن أم الخير رابعة بنت إسماعيل القيسية العدوية البصرية . ورابعة مثل جيد لحياة روحية خالصة ، اختلط ذكرها بالكثير من القصص والحكايا التي هي أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقيقة ، ومعظم معلومات المصريين عن رابعة العدوية جاء من خلال الفيلم السينمئي الذي حمل اسمها ، وما يفيدنا من معلومات عن أم الخير أنها فقدت أبويها وهي صغيرة السن حديثة وكانت بنتاً لرجل فقير له ثلاث بنات فسميت " رابعة " لأنها كانت رابعتهن ، وبيعت إلى أحد أثرياء البصرة وكان رجلاً غليظ القلب سخرها لخدمته واستبد بفقرها وضعفها وأثقل عليها العمل ، وأدركت أن لا ملجأ لها سوى الله تبارك وتعالى ، فخلت بنفسها ذات ليلة وأخذت في الدعاء. وبينما قائمة تصلي ليلاً دخل سيدها عليها فرأى قنديلاً منيراً يطوف برأسها وهي ساجدة تقول : " إلهي .. أنت تعرف أن قلبي يتمنى طاعتك ، ونور عيني في خدمة عتبتك ، ولو كان الأمر بيدي لما توقفت ساعة عن خدمتك ، لكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق " ، فلعله تأثر بهذا المنظر وهذه الكلمات لاسيما وأنه رأى منها كل عفة وخير وصلاح في العبادة فأعتقها وتركها تمضي في سبيلها. وبمجرد انتقال رابعة العدوية خارج بيت سيدها انتقلت إلى حياة جديدة تماماً فاختارت البقاء والعيش داخل كوخ فقير بإحدى ضواحي البصرة ، وفيه أقبلت على العبادة إقبالاً لا ينقطع ، وهرولت تجاه الزهد هرولة لا تعرف لشهوات الدنيا طريقاً . والفرق بين رابعة العدوية وغيرها من أهل التصوف الإسلامي أن المتصوفة والزهاد أقبلوا على نشر أفكارهم وطروحاتهم وتأملاتهم التعبدية بين الناس ، أما رابعة فاكتفت بالزهد والعبادة دون الاهتمام بنشر أفكارها وأقوالها ، وآثرت الاعتزال والخلوة للتعبد . ورغم ذلك كان كوخها منبراً وزاوية للحياة الروحية في الإسلام اجتمع عندها المئات يستمعون وينصتون ويسجلون أقوالها وأحاديثها. ولرابعة العدوية فراسة مؤمن وقريحة مستغفر تائب ، وأقوالها تدل على امرأة صفا قلبها لحب الله تعالى ، ومن ذلك دخل على رابعة رياح القيس وصالح بن عبد الجليل وكِلاب فتذاكروا الدنيا فأقبلوا يذمونها فقالت رابعة : " إني لأرى الدنيا بترابيعها في قلوبكم ، قالوا : ومن أين توهمت علينا ؟ قالت: إنكم نظرتم إلى أقرب الأشياء من قلوبكم فتكلمتم فيه" . ويحكى أنه أتى إلى رابعة كثير من الصالحين فسألت أحدهم :وأنت ، لماذا تعبد الله تعالى ؟ فأجاب : لأني أخاف النار . وقال آخر : وأنا أعبده خوفاً من النار وطمعاً في الجنة. فقالت رابعة : ما أسوأ العبد الذي يعبد الله تعالى رجاء دخول الجنة أو مخافة النار . وأضافت : فإذا لم يكن ثمة جنة ولا نار أفلا تعبد الله تعالى ؟ فسألوها: وأنت لماذا تعبدين الله؟ فأجابت : أعبده لذاته أفلا يكفيني نعمة منه أنه يأمرني بعبادته ؟ .