توقع محللون أن يستمر تحسن نشاط القطاع الخاص في مصر خلال الأشهر المقبلة بعد تحسن أدائه خلال سبتمبر الماضي، في إشارة إلى بدء رحلة تعافي الاقتصاد من تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، والتي تأثرت بها مصر و اقتصادات العالم برغم توقعات مؤسسات دولية لها أن تنجو من الركود خلال العام الحالي. وبحسب تقرير مجموعة "IHS Markit"، الصادر يوم الاثنين الماضي عن مصر، تحسنت الظروف التجارية للقطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر للمرة الأولى في 14 شهرًا، خلال شهر سبتمبر الماضي. ووفقًا لما أظهره مؤشر مدراء المشتريات (PMI)، ارتفع المؤشر إلى 50.4 نقطة في شهر سبتمبر مقابل 49.4 نقطة في أغسطس الماضي، ليتجاوز المؤشر مستوى 50 نقطة لأول مرة منذ شهر يوليو 2019. ويعد مستوى ال50 نقطة هو الحد الفاصل بين النمو والانكماش في هذا المؤشر، والذي يعتمد في دراسته على بيانات مجمعة من مسؤولي المشتريات التنفيذيين في أكثر من 400 شركة من شركات القطاع الخاص تمثل هيكل اقتصاد مصر غير المنتج للنفط. ويقدم المؤشر، الذي تعده مجموعة IHS Markit، نظرة عامة دقيقة عن ظروف التشغيل في نشاط القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر. وقالت عالية ممدوح كبيرة الاقتصاديين في بنك استثمار بلتون، إن التقرير الخاص بمؤشر مديري المشتريات في مصر عن سبتمبر الماضي "إيجابي"، ويشير إلى أن هناك بعض التعافي في القطاع غير النفطي الذي كان يعاني من قبل أزمة كورونا، حيث لم يصل إلى درجة ال 50 التي تمثل علامة التشغيل منذ 14 شهرا. وأضافت عالية ممدوح، لمصراوي، أنها تعتقد أن يكون ذلك بداية تعافي النشاط الاقتصادي في مصر والتي تتوقع أن تستمر في حالة عدم حدوث ظروف استثنائية أخرى. وقالت منى بدير، محلل اقتصادي أول ببنك استثمار برايم، في تقرير لها، إن مؤشر مديري المشتريات لديه مجال للبقاء في منطقة التوسع مع التحسن المستمر في معنويات المستهلكين، وعودة النشاط التجاري لطبيعته. لماذا حدث التحسن في المؤشر؟ ترى منى بدير أن التحول في النشاط الاقتصادي خلال سبتمبر جاء مدفوعا بعدة عوامل منها الارتفاع في طلبات البيع الجديدة للشهر الثالث على التوالي، وارتفاع الإنتاج لأعلى مستوى له منذ يوليو 2019، وأيضا التحسن المستمر في مؤشر الصادرات. لماذا قد يعتبر هذا التحسن بداية لتعافي الاقتصاد؟ بحسب تقرير مديري المشتريات، تشير القراءة الأخيرة إلى تحسن هامشي فقط في الأوضاع التجارية، مما يشير إلى أن الاقتصاد المصري غير المنتج للنفط لديه مجال أكبر للتعافي إلى مستوى الأداء الذي كان قائمًا قبل جائحة فيروس كورونا. وقالت عالية ممدوح إن كثيرا من التداعيات السلبية لأزمة كورونا على النشاط الاقتصادي تعود إلى الإجراءات واسعة النطاق التي تتخذها الحكومات لمواجهة انتشار الفيروس وبالتالي تقييد حركة الإنتاج والاستهلاك، وهو الأمر غير المرجح حدوثه في مصر خلال الفترة المقبلة إذا حدثت موجة جديدة من انتشار الفيروس. وأضافت أن ما يشير إلى التوقع بعدم التوسع في هذه الإجراءات، أن مصر لم تتجه للإغلاق الكامل لمواجهة الأزمة في بدايتها، بالإضافة إلى أن أعداد الإصابات كانت تحت السيطرة. وكانت الحكومة أعلنت في مارس الماضي حظر تجول جزئي فقط، وحددت مواعيد مبكرة لإغلاق المحلات دون أن تلجأ للغلق الكلي للنشاط الاقتصادي، أو للمصانع، ولكن كان هناك بعض القطاعات التي تأثرت بشدة نتيجة توقف رحلات السفر مثل شركات الطيران وقطاع السياحة. ولكن مع رفع الإجراءات وبدء فتح حركة السياحة تدريجيا بدءا من يوليو الماضي، هناك نشاط ملحوظ في حركة السياحة، حيث أعلن خالد العناني، وزير السياحة والآثار، الأسبوع الجاري، أن مصر استقبلت خلال ثلاثة أشهر أكثر من 300 ألف سائح من 15 دولة، وجميعهم عادوا لبلادهم بسلام دون تسجيل أية إصابات. وقالت منى بدير: "بفضل عملية إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية، ساعدت عودة النشاط التجاري إلى طبيعته المصحوب بارتفاع الطلب الخارجي قطاع السياحة والضيافة على بدء رحلته الطويلة صوب الانتعاش". وبحسب منى بدير، فإن مما يساعد على استمرار هذا التعافي في النشاط الاقتصادي توفر المزيد من المحفزات خلال الفترة الحالية بسبب بعض العوامل الموسمية، مثل موسم العودة إلى المدرسة، بالإضافة إلى المبادرات الحكومية لتعزيز الاستهلاك. وأعلنت الحكومة عن مبادرة في يوليو الماضي عن مبادرة لتحفيز الاستهلاك ودعم المنتج المحلي تحت اسم "مايغلاش عليك" بتخفيضات على السلع غير الغذائية تصل إلى 20% من التجار والصناع بالإضافة إلى خفض إضافي بنسبة تتراوح بين 10 و14% من الدولة لأصحاب البطاقات التموينية. هل تعافى الاستهلاك المحلي وعاد لطبيعته؟ ترى منى بدير أن انتعاش الطلب المحلي يكتسب زخما في ضوء الاستهلاك المكبوت الناجم عن التخفيف من الإجراءات الاحترازية المرتبطة بجائحة كورونا، بالإضافة إلى الحد من المخاوف بشأن الموجة الثانية المحتملة للفيروس. ولكن عالية ممدوح قالت إن من الصعب الحكم حاليا على تعافي الاستهلاك وعودته لطبيعته بشكل مستمر خاصة أن شهور أغسطس وسبتمبر وأكتوبر تشهد عادة ارتفاعا في الاستهلاك مقارنة بالشهور الأخرى. وقالت: "نحتاج لمراقبة الاستهلاك بالذات خاصة إذا حدثت موجة ثانية وأثرت على دخول عدد من المواطنين أو أثرت على الحركة بشكل واضح"، مستبعدة في الوقت نفسه أن يتم اتخاذ إجراءات قد تؤدي إلى إعاقة النشاط الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.