في إحدى غرف العناية الفائقة بمستشفى "سوروكا" الإسرائيلي في بئر السبع، يرقد سعد دوابشة وما تبقى من جسده المحترق موصلا بالخراطيم والأسلاك في محاولة لإنقاذ حياته، يزوره رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ارتكب مجازر في حق أشقاؤه الفلسطينيين، كان يتمنى أن يكون بمقدوره الثأر لولده ولكن جسده المحترق لم يسعفه. لم يكن يتخيل سعد في يوما ما، أن تكون نهايته في مستشفى العدو بعد أن حرقوا بيته وزوجته وابنه الأكبر وقتلوا طفله الرضيع حرقًا. حينما يفكر الأب "سعد" جاهدًا في استكمال حياته، تأتي في مخيلته صورة طفله "علي"، يتذكر آلام احتراق جسده الصغير، ورائحة شواء اللحم تزكم أنفه، لا تتركه أبدا، يخالجه سؤالُ في ذاكرته، أيعيش برائحة شواء وليده، أم يلحقه ليرى أين ذهب هو، كما كان يهرول وراءه وهو يحبو في تلك الشقة الصغيرة مًكبلا بقيود الاحتلال. إصابة الأب سعد بحروق من الدرجة الثالثة، غطت أنحاء جسده النحيل بنسبة 80%، تسببت في آلامًا شديدة للغاية، ولكن الآلام الأكثر وجعا للشاب الفلسطيني، هو رؤية زوجته وابنه الأكبر أحمد والنيران مُمسكة في أجسادهم النحيلة وهو بلا حيلة تجاههم، فكلما حاول إنقاذهم منعته النيران التي مسكت في جسده وقضت عليه. الأم ريهام، والتي ترقد في المستشفى بعد أن قضت النيران على أكثر من 90 % من جسدها بحروق من الدرجة الثالثة، في حالة خطرة وغير مستقرة، حاولت جاهدة أن تنقذ رضيعها رغم النيران التي أمسكت بها، إلا أنها فشلت. ريهام ربما لا تعلم حتى الآن أنها فقدت زوجها "سعد" كما فقدت رضيعها، تحاول أن تقاوم آلام حروق جسدها كي ترعى ابنها الأكبر والوحيد الآن "أحمد"، الذي لم يسلم من الحريق هو الأخر بعد أن تكمنت النيران من 60% من جسده الصغير. قبل 7 أيام، فقدت عائلة دوابشة في قرية دوما بنابلس بالضفة الغربية، رضيعها (علي) عاما ونصف العام، حرقا بعد أحرق إسرائيليون منزل أحد أبنائهم (سعد) في الساعات الأولى من يوم الجمعة الفائت 31 يوليو. ومع الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، تعلن وزارة الصحة الفلسطينية، وفاة سعد دوابشة (37 عاما) ، اليوم السبت، متأثرا بإصابات تعرض لها قبل 8 أيام جراء حرق مستوطنين إسرائيليين منزله في قرية دوما في نابلس شمال الضفة الغربية. سعد والذي يبلغ من العمر 30 عاما، كان أصيب هو زوجته (ريهام حسين 27 عاما). وابنه الأكبر (أحمد 4 سنوات)، بحروق غطت 80% من جسده، فيما تبلغ نسبة الحروق في جسد زوجته 90%، وكانا يرقدان في وحدة العناية المركزة بمساعدة أجهزة التنفس الاصطناعي. عقب وفاة الرضيع (علي) حرقا، ندد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالحادث وطالب بمحاكمة الجناة، واصفا الحادث، الذي يُشتبه في أن منفذيه يهود، بأنه "عمل إرهابي"، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فتعهد بعدم التسامح مع المسؤولين عن ما وصفه بأنه "عمل إرهابي". وأعرب عن صدمته من الهجوم "الوحشي"، وزار والدي الطفل وشقيقه في المستشفى. الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، حمّل إسرائيل مسؤولية قتل المستوطنين الرضيع دوابشة، وقال إن الاعتداء ما كان ليحدث لولا إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الاستيطان وحماية المستوطنين في الأراضي المحتلة. كلف وزير خارجيته رياض المالكي، بتقديم ملف "الرضيع الفلسطيني"، إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبعد وفاة الأب سعد، نعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، سعد دوابشة، دعا المتحدث باسم الحركة أحمد عساف، جماهير الشعب الفلسطيني إلى أوسع مشاركة في لجان الحراسة التي بادرت الحركة إلى تشكيلها بالتنسيق مع القوى الوطنية في كافة البلدات والقرى والمواقع القريبة من المستوطنات، للتصدي لهؤلاء القتلة ومنعهم من ارتكاب جرائم أخرى بحق الشعب الفلسطيني. وأكد أن "ملف الشهيد سعد دوابشة سيضاف إلى ملف ابنه الشهيد (علي) في محكمة الجنايات الدولية لضمان محاسبة مرتكبي هذه الجريمة ومن قام بحمايتهم وزرعهم في الأرض الفلسطينية، وهي حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ولضمان عدم تكرار الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني". أما حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فقالت إن " أن "المقاومة الباسلة في الضفة الغربية، تتجهز للرد على جريمة استشهاد الرضيع علي، وأن ارتقاء والده اليوم سيجعل المقاومة أشد حرصاً على إيلام العدو والثأر لدماء أبناء الشعب الفلسطيني". ودعت كافة أبناء الضفة الغربيةالمحتلة، وخاصة أبناء مدينة نابلس وقراها المجاورة، إلى المشاركة الفاعلة في تشييع الشهيد سعد دوابشة ظهر اليوم السبت، والوقوف مع أهالي بلدة دوما في مصابهم الجلل. وأثنت حركة حماس على "التاريخ النضالي الكبير الذي تحظى به عائلة دوابشة في بلدة دوما، حيث قدمت لله وللوطن العديد من الشهداء، على رأسهم الشهيد فهيم دوابشة، كما ضحت بعشرات السنوات من أعمار أبنائها داخل سجون الاحتلال".