الخرطوم (رويترز) - أرسلت الخرطوم الجيش لترسيخ سلطتها عند منطقة الحدود التي تفتقر الى الترسيم الدقيق بين الشمال والجنوب والحصول على تنازلات قبل انفصال الجنوب ومعه أغلب الثروة النفطية للبلاد. ودخلت دبابات جيش شمال السودان منطقة أبيي المتنازع عليها يوم 21 مايو ايار وبعد اسبوعين أرسل الشمال قوات للقضاء على مقاتلين متحالفين مع الجنوب في ولاية جنوب كردفان التي تضم أكبر حقول النفط انتاجا والتي ستظل تابعة للشمال بعد التاسع من يوليو تموز موعد الانفصال. وتراهن حكومة شمال السودان فيما يبدو على أن الجنوب الذي اختار الانفصال في يناير كانون الثاني سيحجم عن تحدي جيش الشمال الاشد قوة والمخاطرة بحرب ربما تهدد هدفه بالحصول على اعتراف الخرطوم به كدولة جديدة. لكن استراتيجية الخرطوم أغضبت بالفعل القوى الغربية التي ربما يكون رضاها مهما للغاية لاعفاء السودان من ديون تصل الى 38 مليار دولار. كما أنها تذكي توترات في المناطق المنتجة للنفط الذي يمثل شريان الحياة لاقتصاد كل من الشمال والجنوب. وقال فؤاد حكمت من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات ان أبناء شمال السودان "هم الخاسرون من الناحية الاقتصادية. سيتضررون من الانفصال أكثر من الجنوب. وهم يريدون تعويض ذلك بأن يكونوا الجانب الاقوى على الجانب الامني." ومن الممكن أن يمنح تأكيد القوة العسكرية على امتداد الحدود دعما للشمال بينما يسعى الجانبان للتوصل الى حلول لمسائل غير محسومة مثل كيفية ادارة عائدات النفط وتقسيم الديون. وأضاف حكمت "يحاولون تضييق الخناق على الحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الحاكم في الجنوب). انهم يضعون الحركة في موقف صعب للغاية في أبيي وجنوب كردفان والنيل الازرق." وتحول المساحة المترامية الاطراف للسودان وشبكات من الانتماءات العرقية والقبلية دون حدوث الانفصال بشكل سلس مما يبقي مناطق قابلة لاشتعال الاضطرابات عند الحدود مثل أبيي وجنوب كردفان والنيل الازرق. وتختلف أهداف الخرطوم من منطقة لاخرى. ففي أبيي بما تحتويه من مراع قيمة وبعض الانتاج المحدود للنفط يقول محللون ان الشمال يريد الحصول على تنازلات. ويطالب الجانبان بالسيادة عليها لكن استفتاء كان مقررا حول مصير المنطقة لم يتم بسبب خلافات حول من تحق لهم المشاركة فيه. وفي جنوب كردفان تريد الخرطوم القضاء على مجموعة من المقاتلين جيدة التسليح والكثير منهم من قبائل النوبة والذين انحازوا الى الجيش الشعبي لتحرير السودان الذراع العسكرية للحركة الشعبية لتحرير السودان خلال الحرب الاهلية التي استمرت نحو 20 عاما وانتهت باتفاق سلام عام 2005. ويخشى الشمال من أن تؤدي عودة الجماعة الى الظهور الى تهديد هذه المنطقة الحيوية. وبموجب اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام 2005 أجري استفتاء حول انفصال الجنوب والذي أيده سكان المنطقة بأغلبية ساحقة ومهد الطريق لتقسيم اكبر دولة في افريقيا. وحتى بعد الانقسام سوف تعتمد كل دولة على الاخرى. ويقع في جنوب السودان نحو 75 في المئة من اجمالي انتاج السودان حاليا من النفط والبالغ نحو 500 ألف برميل يوميا لكن تصدير الخام يعتمد على خط أنابيب يمر عبر الشمال. وقال سلفا كير رئيس جنوب السودان في مايو ايار عندما استعر الصراع في أبيي ان الجنوب لن يرد الهجوم بهجوم مماثل. وقال في مؤتمر صحفي "نعتقد أننا كجيران سنكون أفضل أصدقاء. نحن نحتاج اليهم وهم يحتاجون لنا." لكن مع اقتراب موعد الانفصال قال محللون ان الخرطوم عاقدة العزم على اظهار أنها الشريك الاقوى. وقال اريك ريفز وهو باحث في كلية سميث وناشط في قضايا السودان "رؤية الخرطوم لموعد التاسع من يوليو لاستقلال الجنوب مختلفة كثيرا عن رؤية جوبا." وتابع قوله "انها ترغب في تسوية قضايا عديدة بالقوة العسكرية .. تغيير الواقع على الارض بحلول التاسع من يوليو." وفي جنوب كردفان قالت الخرطوم انها لن تتهاون مع أي جماعة مسلحة داخل حدودها وطالبت مقاتلي قبائل النوبة بالقاء السلاح أو ترك المنطقة. وتقول جوبا انها لا يمكن أن تطلب من المقاتلين التوجه للجنوب لانهم من سكان الشمال وليسوا جزءا من الجيش. وقد تكون النتيجة حرب عصابات طويلة بين الشمال والمقاتلين الذين لديهم خبرة كبيرة بالتضاريس الجبلية للمنطقة. وسيعطل مثل هذا الاحتمال التجارة والنقل مع الجنوب وسوف يعرض الرئيس السوداني عمر حسن البشير أيضا لمزيد من الانتقادات الدولية. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل أمر اعتقال بحق البشير فيما يتعلق باتهامات بتدبير ابادة جماعية وجرائم حرب في دارفور وهي المنطقة التي ستظل جزءا من شمال السودان والتي حارب فيها مقاتلون الخرطوم متهمين اياها بتجاهل منطقتهم. وقال علي فرجي الباحث في معهد الوادي المتصدع وهو مركز أبحاث "لا أعتقد أن من الممكن أن تحقق القوات المسلحة السودانية انتصارا تاما في جنوب كردفان." وتابع "يمكنهم ان يدفعوا المعارضين الى الجبال ويضعفوا قدراتهم العسكرية التقليدية لكنهم لن يهزموهم بشكل كامل." وتخشى منظمات انسانية من ارتفاع أعداد القتلى في جنوب كردفان. وتقول الاممالمتحدة ان أكثر من 60 ألف شخص فروا. وتتهم جماعات لحقوق الانسان الخرطوم بشن حملة "تطهير عرقي" ضد قبائل النوبة. وترفض الخرطوم هذه الاتهامات وتقول انها تحارب تمردا مسلحا وان الجيش موجود هناك لحماية المدنيين. ويقول مسؤولون ان محادثات بشأن جنوب كردفان لم تحرز تقدما يذكر وان الشمال يقول للجنوب انها قضية داخلية ويجب ألا يتدخل فيها. حتى وان تم التوصل الى اتفاق فربما لا يكون له ثقل لدى قبائل النوبة التي تشعر باقصائها من اتفاق 2005 الذي جعل جنوب كردفان جزءا من الشمال. وقال المحلل فرجي "ربما نرى من الناحية السياسية انقساما فعليا للولاية (جنوب كردفان)." ومضى يقول "لن تكون منطقة ذات حدود واضحة بل منطقة تضم جيوبا يمكن للحركة الشعبية لتحرير السودان والعناصر المرتبطة بها البقاء فيها والسيطرة عليها" مشبها هذا الوضع بجيوب المقاومة التي ظلت صامدة في مواجهة الخرطوم في دارفور.