جوبا (السودان) (رويترز) - حين تولد جمهورية جنوب السودان في التاسع من يوليو تموز فان هذا سيكلل عملية سلام جرت بوساطة دولية لكنها ستصبح في اليوم التالي دولة في أزمة ومصدر تهديد محتمل للمنطقة بالكامل. وطغت المواجهة بين الخرطوموالجنوب التي اشتعلت الاسبوع الماضي حين سيطر الشمال على منطقة أبيي المتنازع عليها على نقاط الضعف التي يعاني منها الجنوب في الداخل. فقد دارت أعمال عنف بين الجنوبيين أنفسهم أسفرت عن مقتل المئات منذ صوت الجنوبيون لصالح الانفصال في يناير كانون الثاني. وأثارت التغييرات في دستور الدولة الجديدة قلق معارضين ونشطاء مدافعين عن الديمقراطية فضلا عن قوى خارجية تخشى من أن تسفر التعديلات عن اقامة دولة حزب واحد. وحتى اذا صمد السلام مع الشمال يقول محللون ان جنوب السودان قد يصبح مستنقعا غير قادر على بدء التنمية في الوقت الذي يحاول فيه المقاتلون الذين تحولوا الى ساسة السيطرة على المنطقة الشاسعة التي تزخر بالاسلحة. ويقول ايدي توماس محلل الشؤون السودانية في معهد ريفت فالي "لايزال عدد من المخاطر موجودا في الجنوب." وأضاف "تحاول حركة تحرير أن تصبح حزبا سياسيا... المعارضة السياسية تصل في أحيان كثيرة الى حد استعداد الناس في المناطق النائية لاتخاذ اجراءات عنيفة." وقريبا ستشترك ست دول في حدود مع هذه المنطقة التي ينعدم فيها القانون ولا يتجاوز طول الطرق المرصوفة فيها 100 كيلومتر. وتقول الاممالمتحدة انها ساعدت في اطعام نصف السكان العام الماضي او نحو أربعة ملايين نسمة. والحاجة الى التنمية تتيح فرصا لشركات المقاولات لكن المزيد من أعمال العنف قد تؤدي مجددا الى نزوح ملايين الجنوبيين عبر الحدود. وينحي الجنوب باللائمة منذ فترة طويلة على الشمال في تقويض جهوده للتنمية لكنه أبعد ما يكون عن المنطقة المتحدة. وانقلبت القبائل في بعض المناطق على بعضها البعض وتتقاتل بسبب سرقة الماشية. وفاقم الطلب على الابقار اللازمة لسداد المهور في ظل الاعداد المرتفعة للشباب من الصراع التقليدي. وتقول الحكومة ان سبع ميليشيات متمردة على الاقل تخوض قتالا مع الحكومة. وتتكرر المناوشات بين هذه الميليشيات والجيش الجنوبي وفي احدى المعارك بفبراير شباط قتل اكثر من 200 شخص. ومنذ الاستفتاء قتل 1450 شخصا على الاقل في أعمال عنف شهدتها تسع من جملة عشر ولايات بالجنوب وفقا لما ذكرته الاممالمتحدة. وقال فيليب اجوير المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان وهو جيش الجنوب ان الجيش مهيمن وان على المتمردين أن يلقوا أسلحتهم. لكن متحدثا باسم احدى الجماعات المتمردة قال لرويترز انهم سيقاتلون الى الابد ضد ما يصفونها بالحكومة الشمولية. ويقول كثيرون بما في ذلك حكومة الجنوب ان الميليشيات تعمل لحساب الخرطوم. وقال جون برندرجاست المسؤول السابق بوزارة الخارجية الامريكية الذي شارك في تأسيس منظمة (ايناف بروجكت) لمكافحة الابادة الجماعية ان على الجنوب أن يتعامل مع الجنوبيين الذين يريدون حمل السلاح ضد حكومتهم حتى يتجنب نشوب صراع داخلي. وأضاف لرويترز "ستولد الدولة وسط هذه الفوضى المدعومة من الخارج لكن اذا لم تتعامل الدولة الجديدة مع القضايا الداخلية المتعلقة بالتواطؤ مع الخرطوم فقد يؤدي هذا الى حرب أهلية." وتنفي الخرطوم والمتمردون على حد سواء لعب الشمال اي دور في الصراع بالجنوب. وقال محلل ان قنوات الدعم من الشمال للمتمردين ظلت مفتوحة منذ الحرب لكنه أضاف أن الجنوب يتعمد التضخيم من شأن الشمال بوصفه العقل المدبر للمتمردين. ويؤكد المتمردون أنهم يقاتلون ضد الفساد والمحسوبية والعنصرية القبلية. وقال مسؤول كبير بالاممالمتحدة طلب عدم نشر اسمه ان على حكومة الجنوب أن تتحمل جانبا من اللوم على الفوضى لانها لم تبذل ما يكفي من الجهد لاحتواء المتمردين منذ اتفاق السلام. وأضاف "كان أسلوبهم هو شراؤهم بالمحسوبية او هزيمتهم عسكريا لكن الخلافات القبلية أساسية في هذه المشكلة. انه سباق مع الزمن لبناء هوية جنوبية اكبر من القبائل." وقتل نحو مليونين في الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب التي انتهت بتوقيع اتفاق للسلام عام 2005 نص على اجراء الاستفتاء في يناير كانون الثاني الماضي. واختار الجنوبيون اقامة دولة لهم بنسبة 98 بالمئة من الناخبين. ويقول مسؤول جنوبي ان المجتمع الدولي انشغل عن التدقيق في دستور الجنوب الجديد الذي وصفه المسؤول بأنه "شمولي" بسبب انعدام الامن والحاجة الماسة لتوفير مساعدات غذائية لملايين الجنوبيين. ووافق مجلس الوزراء على مسودة "الدستور الانتقالي" الذي يؤدي في نهاية المطاف الى دستور دائم وهو مطروح الان امام البرلمان ومن المقرر اقراره خلال احتفالات الاستقلال في يوليو. وكان يجري اعداد "الدستور المؤقت" الحالي منذ اتفاق السلام وهو ينص على الا يتولى الرئيس الحكم لاكثر من ولايتين كحد أقصى. واختفى هذا الشرط من الدستور الجديد وسيكون للرئيس صلاحيات جديدة في تشكيل حكومات الولايات. كما تسمح مسودة الدستور الجديد التي اطلعت رويترز على نسخة منها لرئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير بتعيين 66 عضوا جديدا بالمجلس التشريعي. ويخشى مراقبون من أن يكون الجنوب بصدد انشاء دولة حزب واحد. وقال المسؤول بالاممالمتحدة ان مراجعة الدستور "تعطي لمحة عن رؤيتهم لتقسيم السلطة في المستقبل وهناك بعض النزعات الشمولية الواضحة." وأضاف "نخشى أن يؤدي هذا الخط الشمولي الى انعدام الامن وهو ما نراه بالفعل."