يمر غدا الأحد، عام على رحيل البابا شنودة الثالث، الذي ترأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لفترة امتدت لأربعة عقود، البابا الذي لايزال محتفظا بمكانته في قلوب الأقباط، يتوافد على قبره بدير الأنبا بيشوي الآلاف من الأقباط ل ''أخذ بركته''، حيث كان له تأثيرا روحيا في أقباط مصر، كما كان له أيضا دورا سياسيا لا يستطيع أحد نكرانه، دورا جلب عليه الكثير من النقد في آخر أيامه بسبب دعوته للأقباط بعدم المشاركة في تظاهرات25 يناير. يرى البعض أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أحد المؤسسات الدينية المهمة في مصر، تغير دورها بعد رحيل ''شنودة'' واعتلاء'' تواضروس'' الثاني الكرسي البطريركي، حيث أن الأخير ومع تولي التيار الإسلامي زمام الأمور في البلاد، قرر أن تتفرغ كنيسته لدورها الروحي. البعض الآخر يرى أن الكنيسة بعد البابا الراحل لا تزال تنتهج الطريقة ذاتها في التعامل مع السلطة .. ''مصراوي'' يرصد آراء بعض المحللين حول هذا الأمر. الأقباط ''أسرى'' للنظم السياسية وإن اختلف البابا يقول كمال زاخر، المفكر القبطي، أنه بعد قيام ثورة 25 يناير لم يعد للكنيسة أي دور سياسي، حيث أعلنت أنها ستنسحب من المشهد السياسي عقب الثورة وكان ذلك قبل رحيل البابا، ويضيف زاخر:'' ليس هناك تغير كبير في دور الكنيسة السياسي فعلى الرغم أن البابا هو الذي يتصدر المشهد، ولكنه محكوما بالمجمع المقدس الذي له دورا مهما في القرارات التي تأخذها الكنيسة مثل قرار انسحابها من الجمعية التأسيسية للدستور''. ويشير المفكر القبطي إلى أن قرار الكنيسة بالانسحاب من أعمال الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، جاء بدافع ''وطني''، مردفا:'' انسحاب الكنيسة كان وطنيا أكثر منه سياسيا ولو كان البابا لا يزال على قيد الحياة لاتخذ القرار نفسه'' ويرى زاخر أن :'' الأقباط لا يزالون أسرى للنظام السياسي الذي يحكم حتى بعد رحيل البابا شنودة وقيام الثورة، وأن علاقة الكنيسة بالنظام الذي يحكم لم تتغير''، مؤكدا:'' شباب الأقباط لن يرضوا بطريقة تعامل السلطة مع الأقباط وقد تشهد قضايا الأقباط ''تدويلا'' في الفترة القادم''-حسبما يرى. دور المجمع المقدس من جانبه، يقول بيشوي تمري، عضو المكتب السياسي لاتحاد شباب ماسبيرو، أن الكنيسة لم تتغير كثيرا عما كان الحال عليه في عهد البابا شنودة الثالث، مضيفا:'' الكنيسة تحتاج لمجهود ووقت لتتغير، والتغيير الوحيد الذي استطيع أن أطلق عليه تغييرا هو تصريحات البابا تواضروس والتي أكد فيها أن الكنيسة هي مؤسسة روحية وليست لها شأن بالسياسة''. ويشير تمري إلى أن القرارات المهمة التي اتخذتها الكنيسة في فترة ما بعد رحيل البابا شنودة، كانت من منطلق ''رأي جماعي ''داخل المؤسسة الروحية، قائلا:'' المجمع المقدس هو من أخذ قرار الانسحاب من الجمعية التأسيسية مثلا ولم يكن قرار البابا وحده، كما أن القرارات المهمة يتم أخذها بناء على توافق جماعي في المجمع المقدس''. ويؤكد تمري أن التغيير في الكنيسة ليس ملموسا، وأنها تحتاج لبعض الوقت ليظهر دورها الحقيقي، ''وإن كان خطاب البابا تواضروس مختلفا بعض الشيئ عن البابا شنودة، حيث قال ''احنا مش بتوع سياسة'' وهذا دليلا على التغير الملحوظ في الدور السياسي الذي تلعبه الكنيسة مع النظام''. علاقة البابا تواضروس بمرسي ''جافة'' عماد جاد، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي والخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يرى أن الكنيسة تغيرت كثيرا في أعقاب وفاة ''شنودة ''حيث قررت ''العودة للجانب الروحي وأصبحت أقل انشغالا بالأمور السياسية وأكثر وضوحا في المواقف''، ويضيف جاد:'' الكنيسة أصبحت تعبر عن موقفها السياسي بوضوح، تاركة المدنيين والأقباط يعملون في الشارع السياسي''. ويستطرد جاد قائلا :'' البابا الراحل كان يتفاعل مع الأحداث، ولكن في أيامه الأخيرة ازداد المرض عليه تاركا التصرف في الأمور لمن حوله، ولو كان لايزال على قيد الحياة لكان الأساقفة المحيطين به بدأوا في عمل علاقات مع أجهزة الدولة والإخوان المسلمين، وكانوا سيصيغون مواقف ترضي النظام الحالي''. وينفي جاد وجود علاقة تعاون بين البابا تواضروس الثاني والرئيس محمد مرسي، ويعقب قائلا:''الرئيس مرسي لم يزر أي كنيسة حتى الآن ولم يحضر حفل تنصيب البابا، ولم يحضر أي فعاليات خاصة بالأقباط، والبابا تواضروس لا يجامله ومواقفه تجاهه واضحة أنا أرى العلاقة بين رأس الكنيسة''البابا تواضروس'' و''الرئيس مرسي'' ''جافة''. ويشير جاد إلى أن علاقة البابا شنودة الثالث بنظام مبارك كانت علاقة ''هادئة'' قائمة على ''المراعاة المتبادلة'' ولم تكن سلبية أو إيجابية ولكنها كانت تساهم في حل الكثير من مشاكل الأقباط، مردفا: ''موقف البابا الراحل من تظاهرات 25 يناير كان طبيعيا ولو كان أي شخص مكان البابا لفعل ذلك، وشيخ الأزهر اتبع نفس الفعل ولو كانت الكنيسة أيدت نزول المسيحيين للتظاهر لقالوا أنهم يشجعونهم للانقلاب على نظام الحكم''. الدور السياسي للكنيسة الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بورسعيد، جمال زهران، يرى أن دور الكنيسة السياسي يزداد اتساعا وتنافرا مع السلطة، حيث يشير إلى أن البابا الحالي ينتهج مسلك '' شنودة'' ويسعى لدور أكثر اتساعا من البابا الرحل لحل قضايا الأقباط، مضيفا:'' البابا الحالي مازال متبعا قرار البابا شنودة بعدم ذهاب الأقباط للقدس إلا بعد تحريرها، وهو يسعى أن يكون دوره في القضايا الوطنية والسياسية ليس أقل من شنودة ''. ويشير زهران إلى أن علاقة تواضروس بالإخوان المسلمين ومحمد مرسي لن تكن كعلاقة شنودة بمبارك، حيث أن ''الإخوان المسلمين لهم سياسة تتسم بالعدوانية وعدم التسامح تجاه الأقباط وهذا سيخلق توترا وتنافرا بين تواضروس ومرسي في الأيام المقبلة''.