القاهرة - صورة مبسطة وعميقة يرسمها عم نصر حارس عقار في شارع رئيسي بأحد أحياء وسط العاصمة القاهرة، وقف نصر ينتظر قدوم الموظفين إلى الشركات والهيئات التي يكتظ بها الشارع الذي يحرس أحد مبانيه، الذين انقطعوا عن أعمالهم قرابة الأسبوعين الماضيين.. بفارغ الصبر ينتظرهم ليأخذ سياراتهم ويضعها في أحد الجراجات لحين انتهاء عملهم. ويقول عم نصر كما ينادونه المارة، إن رزقه الأساسي من الأجر الشهري الذي يتحصل عليه من الموظفين في البنوك والشركات المنتشرة مقابل الاعتناء بسيارتهم حتى انتهاء عملهم. والاضطرابات الأخيرة التي تمر بها مصر، أثرت بشكل كبير على أصحاب الدخول المحدودة، الذين يعتمدون في حياتهم بشكل أساسي على خدمات أخرى، كتلك التي يقدمها عم نصر. لم يكن عم نصر متفائلا بعودة الأمور إلى طبيعتها كما كانت قبل ثورة 25 يناير وقال: ستغلق الشركات أبوابها، وسيتأثر دخلي ولكنه يتمني فقط أن يعود الاستقرار والأمان إلى البلاد أولا، ثم بعد ذلك قد تعود الأمور إلى طبيعتها مرة أخرى. رأي عم نصر لم يختلف كثيرا عن آراء الاقتصاديين الذين رهنوا عودة الازدهار الاقتصادي مرة أخرى بعودة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد أولا. وبدا الخبراء متفائلين كثيرا بازدهار الاقتصاد في البلاد بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الاضطرابات، خاصة بعد الإصلاحات السياسية التي أعلنت عنها الحكومة، والتي يرونها حقيقة أصبحت واقعية، ولن يستطيع النظام التراجع عنها، لأنها أصبحت الرهان الحقيقي لعودة الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الاستثمارات المحلية. وقالوا إن المخاطر السياسية في مصر قبل الاضطرابات كانت تحد من قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد، كما كانت أحد العوائق التي تحد من وصول الأسهم في البورصة المصرية إلى أسعارها العادلة، لأن تلك المخاطر كان المستثمرون يأخذونها في اعتباراتهم بشكل كبير. ويرون أن تحسن المناخ السياسي وانتهاء المخاطر، التي كان أبرزها يتعلق بكيفية انتقال السلطة في مصر، سيؤديان إلى تحسن أداء الاقتصاد، وستزيد الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، وسينعكس ذلك على أسواق المال أيضا. ولكنهم توقعوا انسحاب بعض الاستثمارات خارج البلاد، وهذا ما حذر منه أيضا المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، وقال في حديث سابق له إن الولاياتالمتحدة قلقة من احتمال مغادرة رؤوس الأموال من مصر بسبب المظاهرات، مشيرا إلى أنه يراقب الآثار المحتملة للأحداث التي تشهدها مصر على تعافي الاقتصاد العالمي. وقال غيبس: من الواضح أننا نشعر بالقلق بشأن رأس المال الذي قد يغادر البلاد، ونواصل مراقبة التأثيرات التي ربما تؤثر على تعافي الاقتصاد العالمي في نهاية المطاف. يقول عمرو الألفي، مدير قسم البحوث بالبنك الاستثماري سي آي كابيتال، إن الضمان لعودة النشاط الاقتصادي في مصر هو إزالة كافة المخاطر السياسية في البلاد، لأنها ستصبح أول عامل ينظر إليه المستثمر قبل القدوم إلى البلاد. وأضاف أن معظم المستثمرين يرون في مصر سوقا كبيرة، لديها كافة مقومات النجاح، سواء من حيث عدد سكانها، أم موقعها الجغرافي الفريد، أم تنوع اقتصادها، فكل هذا يعتبر دوافع جذب قوية لمزيد من الاستثمارات. ويرى الألفي أن الحكومة المصرية ستقوم باتخاذ الكثير من الإجراءات لتهدئة الاحتجاجات، مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتهيئة مناخ للاستثمار، لزيادة فرص العمل، وكل تلك الأمور ستعطي إشارات جيدة لزيادة حجم الاستثمارات في البلاد. وقالت الحكومة إنها سترفع بعض الرواتب الحكومية والمعاشات بنسبة 15 في المائة، وستعفي بعض القروض والمستحقات الضريبية التي تأخر سدادها من الغرامات، كما أكدت أنها ستقوم بضخ المزيد من الاستثمارات في قطاعات التعليم والصحة والتدريب لرفع كفاءة وقدرة المواطن المصري وتحسين مهاراته بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل الحقيقية، وهو ما سيعود بالإيجاب علي جاذبية مصر للاستثمار محليا وخارجيا. وتدرس الحكومة إيجاد حلول لبعض القطاعات التي تأثرت بشكل كبير جراء عمليات الاضطرابات الأخيرة، مثل قطاعي السياحة والمقاولات. ويرى الألفي أن القرارات السابقة، التي أعلنتها الحكومة، هي طريق جيد لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي لو تم تطبيقها بشكل صحيح، سيؤدي ذلك إلى وضع أفضل للبلاد عما سبق. ويرى الألفي أن بعض القطاعات ستتأثر سلبيا بقوة خلال الفترة المقبلة، مثل قطاع العقارات، المتورط به بعض المسؤولين بتهمة إهدار المال العام، متوقعا أن تعود النشاط في تلك القطاعات بعد سن قوانين حاكمة للاستثمار فيه. وقال محسن عادل، العضو المنتدب بشركة «بايونير» لإدارة صناديق الاستثمار، إن هناك ثلاثة عوامل يجب على الحكومة الإسراع في تحقيقها لعودة النشاط الاقتصادي مرة أخرى، وأول تلك العوامل عودة الوضع الأمني والسياسي، وحدوث انتقال سلمي ينتج عنه تعديل آليات النظام، وضرورة وضع استراتيجية اقتصادية واضحة للبلاد خلال الفترة المقبلة، من خلال مشاركة كافة أطياف المجتمع، حتى تحظى بقبول الجميع، وتحدد منهجا واضحا لأولويات البناء الاقتصادي خلال الفترة الحالية. وشدد محسن على أنه يجب ألا يغفل القائمون على الإصلاحات السياسية والدستورية الشق الاستثماري، خاصة أن الاضطرابات التي حدثت في البلاد كان جزء منها اقتصاديا. وقال إن النموذج الأفضل الذي يجب أن تتبعه البلاد، هو المحافظة على وسائل الإنتاج التي لديها وتنميتها، مع فتح الباب أمام رؤوس الأموال الخارجية، وقال إن هذا النموذج الذي يجمع بين الاشتراكية والرأسمالية متبع في دول كثيرة في أوروبا الوسطى، وتستخدمه الدول التي لديها عدد سكان كبير، والتضخم بها مرتفع. ويرى أن مصر ستشهد خلال الفترة المقبلة زيادة كبيرة في حجم الاستثمارات، سواء كان ذلك داخليا أو خارجيا، وتوقع عادل انتهاء المخاطر السياسية بعد الربع الثاني من العام الحالي، وسيكون لذلك تأثير إيجابي، وسينعكس على قدرة الاقتصاد المصري مرة أخرى.