قرار مد العمل بقانون الطوارئ لمدة عامين آخرين أثار ردرد فعل مختلفة ليس في الأوساط السياسية فقط وإنما بين الأوساط الاقتصادية أيضاً. واختلف المستثمرون ورجال الأعمال حول مدي إعاقة هذا المد للطوارئ لحركة الاستثمار والأعمال، فمنهم من رأي انه أخف الأضرار وانه يحافظ علي الحد الأدني من مناخ الاستقرار الذي يتطلبه المستثمر للعمل، ومنهم من يعتقد انه يقف دليلاً علي وجود حالة غير طبيعية وأوضاعا استثنائية لا تشجع علي جذب رؤوس الأموال الأجنبية والعربية بل ولا حتي الاستثمارات المحلية للمزيد من التوسع في قطاعات جديدة. كما ان البعض يري ان الحكومة تتخذ حزمة من السياسات المتناقضة فهي من جهة تجري إصلاحات مهمة في القوانين واللوائح لخدمة القطاعات الاقتصادية وتحسين مناخ العمل وبنية الاستثمار، بينما لا تبذل في المقابل الجهد المناسب لإجراء إصلاحات سياسية. التقارير الدولية التي صدرت في الفترة الأخيرة حول مصر وآخرها تقرير البنك الدولي ثمنت الخطوات التي أنجزتها الحكومة المصرية طيلة السنوات الأخيرة، وخاصة خلال فترة حكومة الدكتور نظيف، والتي تركزت بشكل رئيسي في القطاع الاقتصادي، وعالجت مشاكل وعقبات كانت قائمة فادخلت تعديلات جوهرية لإزالة التشوهات الجمركية، ومنها مثلا التشوهات التي كانت مفروضة علي المواد الخام المستوردة والمستخدمة في التصنيع لتصبح ما بين 2% و40% بعد ان كانت تصل إلي 140%، إضافة إلي تسهيل عمليات الإفراج الجمركي لتستغرق يوما واحدا أو عدة ساعات بعد ان كانت تلك العمليات تستغرق 22 يوما. كذلك أصدرت الحكومة قانوناا جديدا للضرائب هو القانون رقم 91 لسنة 2005 والذي خفض الضريبة علي الأرباح من 42% إلي 20%.. وهذه الإصلاحات تخاطب المستثمرين وتساهم في تذليل العقبات أمامهم وتشجيعهم علي جذب رؤوس أموالهم، لأن زيادة الاستثمارات هي بمثابة العصا السحرية للعديد من المشاكل علي رأسها البطالة. ولكن هل تمديد قانون الطوارئ، الذي استمر يحكم مصر لأكثر من ربع قرن من شأنه التقليل من أهمية تلك الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية، وهل يعد عاملاً يعيق الاستثمار في التدفق والعمل في مناخ من الحرية؟ في البداية يؤكد المهندس محمد نصير رئيس الجمعية المصرية البريطانية وأحد كبار المستثمرين في قطاع الاتصالات ان المستثمر الذي ينوي القدوم للاستثمار داخل أي دولة يمكن ان يأخذ في اعتباره وجود حالة الطوارئ لكن قد لا يضع هذا الأمر في رأس سلم الأولويات التي يترتب عليها أخذ القرار. ويضيف نصير انه وعلي سبيل المثال إذا كان هناك في أية دولة خلافات بين أحزاب أو مظاهرات ضد أوضاع سياسية معينة فإن هذه المشكلات تخصص لها 20 نقطة مثلا من إجمالي مائة نقطة يضعها المستثمر في اعتباره لاتخاذ القرار الاستثماري ويشير رئيس الجمعية المصرية البريطانية أن قرار المستثمر للدخول في مشروع جديد داخل أية دولة يراعي في المقام الأول مناخ الاستثمار وقوانينه ومعدل العائد علي الاستثمار في هذه الدولة وكيفية فض المنازعات فيها وغيرها من التفاصيل التي تؤثر علي مصير أي نشاط يقوم به كما يدرس جيدا عنصر المخاطرة وإذا كانت تقديرات المخاطر عالية فإنها يمكن أن تثنيه عن الاستثمار في تلك الدولة. لا تأثير ويتفق معه في الرأي سعيد الالفي رئيس اللجنة الاقتصادي بمجلس الشعب سابقا ويقول: إن أهم عنصر يبحث عنه المستثمر الأمن والاستقرار وهو ما يجعل مستثمرين عربا يلجأون للاستثمار في دول أوروبا والولايات المتحدة مثلا رغم أن العائد علي الاستثمار فيها أقل من الدول العربية لكن أنظمتها السياسية والاقتصادية في المقابل مستقرة ولا تتعرض لأية مخاطر ويشير إلي أنه عندما كان رئيسا للجنة الاقتصادية وأثناء مناقشة قانون الاستثمار وغيره من القوانين الاقتصادية الأخري لم يتطرق أحد لهذا القانون موضحا أنه مع حضوره للعديد من المنتديات الاقتصادية والمناقشة مع المستثمرين لم يذكر أحد أن حالة الطوارئ تؤثر بالسلب علي مناخ الاستثمار وانما الشكوي تكون دائما من البيروقراطية وبطء التقاضي عند المنازعات وغيرها من هذه الأمور. ويضيف الألفي أن مصر رغم وجود هذا القانون تعد من أكثر الدول الجاذبة للاستثمار الخارجي بين الدول العربية. ووجود قانون الطوارئ لم يحد من تدفق الاستثمارات اليها. الحوافز والأيدي العاملة الأهم أما محمد المصري نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية فيؤكد أن المستثمر يبحث عن المناخ الجيد للاستثمار من حوافز وأيد عاملة ماهرة ورخيصة والسوق الذي يستوعب استثمارته ولا يعتني بالجانب السياسي مادام هناك استقرار وأمن داخل البلد الذي يقصده. ويقول "المصري" أن المستثمر لا تعنيه الحياة السياسية ويتساءل ماذا يهما المستثمر وجود قانون طوارئ أم مزيدا من العمليات والحوادث الإرهابية التي قد تضر باستثماره؟ الطوارئ في حماية الاستثمار ويلتقط طرف الحديث الدكتور هاني سرور وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب ويؤكد ان تمديد قانون الطوارئ في الوقت الحالي مهم جدا كعامل مساعد في منع ممارسة الإرهاب الدولي الذي طال جميع دول العالم حيث لا توجد دولة الآن بمنأي عن وقوع أي حادثة إرهابية داخل أراضيها مشيرا الي ان اي مستثمر أجنبي يريد الاستثمار في مصر تعود خلال العشرين عاما الماضية علي وجود القانون الذي لا يستخدم بما يضر الاستثمار ولم يستخدم مطلقا ضد أي مستثمر مصري أو أجنبي ومن ثم فهو غير طارد للاستثمار. ويؤكد سرور ان مصر تتمتع بسمعة طيبة بين أوساط الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر ولكن القضية تكمن في استكمال المنظومة الاقتصادية بالكامل سواء كانت القوانين الجمركية او الضريبية او محاربة البيروقراطية لان كل هذه العوامل هي الاكثر اهمية لجذب المزيد من الاستثمارات. من جهته وفي نفس الاتجاه السابق يري عبد الرحمن بركة عضو مجلس ادارة بنك بلوم مصر (رومانيا سابقا) ان قانون الطواري هو حماية للاستثمار ويساعد علي اعطاء القدرة الاكبر علي ضبط الامور -علي حد تعبيره- بشكل اسرع وبطريقة تمكن من القدرة علي السيطرة علي اي امر في اي وقت وتعيد الامور لحالتها الطبيعة وبالتالي فانه لا يوجد تخوف من استمرار حالة الطواري -مادامت لم تستخدم ذريعة ضد اشخاص عاديين او ظروف عادية ويضيف انه طوال حديثه مع مستثمرين اجانب يشيدو بالاستقرار الأمني داخل مصر وهو الذي يعطي مزيدا من الثقة للاستثمار داخل مصر. الرأي الآخر بينما يعترض جمال الناظر رئيس جمعية رجال الأعمال علي مد حالة الطوارئ ويقول "مش ح نضحك علي بعض" -علي حد تعبيره- ويضيف ان مجرد وجود حالة الطوارئ يعني وجود مناخ غير طبيعي وليس من المعقول ان تظل هذه الامور غير الطبيعية لمدة 25 سنة. ويري ان المستثمر القادم للاستثمار في مصر ينظر في جميع الامور ويأخذها في اعتباره سواء كانت مناخ الاستثمار او الاستقرار السياسي. ويتفق معه في الرأي منير فخري عبد النور رجل الاعمال عضو اتحاد الصناعات ويقول ان وجود حالة طوارئ يعني ان هناك حالة غير طبيعية واي مستثمر يفضل الا يتواجد في ظروف غير طبيعية فمعني ان دولة بها حالة طوارئ يجعل المستثمر يفكر في اتخاذ اجراءات احترازية للحد من المخاطر التي تهدد البلد التي سيتواجد فيها وبمجرد التفكير بهذه الطريقة يؤثر بالسلب علي المستثمر ويجعله يتساءل هل معدل العائد علي استثماره يتناسب مع المخاطرة التي سيتحملها.