في الوقت الذي يرزح فيه أغلب العراقيين تحت نيران حرب مستمرة منذ سبع سنوات فان سكان أربيل في كردستان العراق يمكن أن يستمتعوا بأوقاتهم في حوض عام للسباحة أو يركبوا تليفريك فوق أرض تكسوها الخضرة أو يبتعدوا عن الحرارة الخانقة في صالة جديدة للتزلج على الجليد. وكأن هذه المنطقة من العراق بكل ما يتوفر لديها من أسباب الرفاهية عالم مختلف عن بغداد حيث تمثل التفجيرات الانتحارية أحداثا يومية في حين أن الاسوار الواقية التي يغطيها الرماد هي السمة الغالبة في هذه المدينة والفنادق مغلقة ووسائل الترفيه مقتصرة على داخل المنازل والتليفريك في المدينة طالته يد الدمار. ساعد الامن النسبي لاقليم كردستان العراق شبه المستقل والذي لم يتأثر تقريبا بالحرب في جعل المنطقة ملاذا امنا في البلد الغني بالثروة النفطية والذي يمثل نقطة جذب الا أنه منطقة ليست واضحة المعالم بالنسبة للشركات الساعية للاستثمار. وقال ممدوح محمود رجل الاعمال وراء فكرة التليفريك وصالة التزلج في وسط اربيل "أخذت فكرة التليفريك من الصين. كلفني 2.5 مليون دولار وأقامته شركة صينية." وأضاف "أدفع رسوم ايجار 2500 دولار سنويا قيمة للارض التي استأجرتها من الحكومة لبناء صالة التزلج ومحطة التليفريك.. لذا من يمكنه مقاومة اغراء الاستثمار هنا؟" وبعد سنوات من الحرب والعقوبات والاهمال اصبح العراق واحدا من أكثر الاسواق الناشئة احتياجا للاهتمام في العالم. ويحتوي العراق على احتياطي نفط مؤكد يبلغ 115 مليار برميل وهو ثالث أكبر احتياطي في العالم كما أن 30 مليونا هم سكان العراق متعطشون للمساكن والكهرباء والسلع الاستهلاكية. لكن الحرب التي بدأت بغزو أمريكي للاطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم تنته بعد وما زال العراق مكانا ينطوي الدخول اليه على مخاطر. وما زال متشددون اسلاميون ينشطون في البلاد وتسفر تفجيرات وأشكال أخرى من الهجمات عن مقتل المئات كل شهر. وأظهر استطلاع جديد لاراء المسؤولين التنفيذيين للشركات أجرته وحدة ايكونوميست انتلجينس أن 64 في المئة يعتقدون أن الاستثمار في العراق ما زال ينطوي على مخاطر حتى على الرغم من أن اكثر من النصف قالوا ان رأيهم أصبح أكثر ايجابية خلال العامين الماضيين. ونال اقليم كردستان العراق أعلى التقديرات داخل العراق اذ ان 46 في المئة كانت لديهم اراء ايجابية كبيرة أو جيدة نوعا ما بخصوص المنطقة في حين أن 20 في المئة فقط كانت لديهم اراء سلبية. وفي أربيل فان الاسوار الواقية الوحيدة الظاهرة هي الاسوار الزاهية المحيطة بالبرلمان. وتضم عاصمة كردستان العراق أندية ومطاعم كما أن هناك شعورا بالامان يجعل السكان يسهرون بعد حلول الظلام. وينظر المستثمرون بعين الاعتبار للمنطقة كغاية في حد ذاتها أو نقطة دخول لباقي اجزاء العراق عندما يشيع السلام هناك. وتتردد أصداء البناء في كل مكان في أربيل في الوقت الذي تجري فيه اقامة منازل ومبان سكنية. وقال مسؤولون حكوميون ان المستثمرين وعدوا بتقديم 14 مليار دولار منذ منتصف عام 2006 . وقال برهم صالح رئيس حكومة اقليم كردستان لرويترز في مقابلة أجريت معه في يوليو تموز ان ما يحدث يمثل قصة نجاح هائلة لكردستان وانهم فخورون بذلك. ويشير رجال الاعمال الى قانون استثمار مهم صدر عام 2006 ساعد على تحويل كردستان من اقتصاد كان قائما على التخطيط المركزي خلال حكم صدام الى منطقة مواتية للتجارة والاستثمارات بدرجة أكبر. ويتيح القانون اعفاء ضرائبيا لمدة عشر سنوات وأرضا مجانية لاصحاب المشاريع مع امكانية نقل الارباح خارج المنطقة. ويحاول الاكراد جذب المستثمرين الاوروبيين والامريكيين لكن 55 في المئة على الاقل من الشركات الاجنبية التي تستثمر هناك وهي 640 شركة من مجموع 1170 تأتي من تركيا المجاورة. كما أن هناك 31 شركة ألمانية فقط وشركتان فرنسيتان. وقال علي الصفار من وحدة ايكونوميست انتلجينس يونيت "اقليم كردستان يملك مقومات أكبر بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تريد العمل في العراق ولا تستطيع انفاق الاف الدولارات على التكلفة الامنية والتي هناك حاجة اليها من أجل العمل بنجاح في أماكن أخرى من البلاد." وربما لا تمنع المخاوف الامنية شركة ما من الاستثمار في العراق لكن تكلفة حماية المنشات والافراد من العنف لابد أن توضع في الحسبان في خطط الاستثمار. وكثيرا ما كان يجري استهداف أبراج نقل الكهرباء وخط أنابيب النفط الممتد من العراق الى تركيا. وقال خالد جميل وهو مسؤول في شركة أوروك التي تتخذ من دبي مقرا "هناك مخصصات مالية للقضايا الامنية. انها تكلفة اضافية." وفازت أوروك بعقد قيمته 84 مليون دولار لاقامة محطة للكهرباء في التاجي على بعد 20 كيلومترا الى الشمال من بغداد. وتوفر الشركة 60 من أفراد الامن في الموقع الذي يوجد به 100 من المهندسين والفنيين. ومدت سورا من الاسلاك الشائكة حول ممتلكاتها الى حين بناء سور دائم. وهناك العديد من الخطط الخاصة بالبنية الاساسية بالعراق. وأعلنت شركات النفط العالمية الكبرى التزامها بعقود تقدر بمليارات الدولارات لتطوير حقول النفط وخصصت الحكومة التي تحصل على 95 في المئة من ميزانيتها من ايرادات النفط 21 مليار دولار وهو ربع الميزانية للاسكان والسكك الحديدية ومشاريع أخرى هذا العام وحده. وما زال الفساد والعقبات البيروقراطية من المعوقات الرئيسية. ويحتل العراق المرتبة 153 ضمن 183 دولة في تقرير للبنك الدولي فيما يتعلق بتسهيل الاستثمار. في حين أن مرتبة العراق 176 بين 180 دولة في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية. كما أن البنية الاساسية التي عانت في ظل 30 عاما من الحرب شبه المتواصلة تمثل عائقا للاستثمار. ويقول سكان بغداد انهم لا يحصلون سوى على ساعات محدودة من الكهرباء من الشبكة الوطنية. لكن الوضع في كردستان التي لم تتأثر تقريبا من الصراع الدائر حاليا أفضل اذ توفر أكثر من 18 ساعة يوميا. وقال سنان جلبي وزير التجارة والصناعة في حكومة اقليم كردستان انه قبل أربع أو خمس سنوات كانت تتوفر ساعة واحدة فقط من الكهرباء. وأضاف أنه يعتقد أن خلال عامين أو ثلاثة سيتمكنون من التغلب على كل النقص وستتوفر ساعات اضافية. كما أن اقليم كردستان العراق به مشاريع كبيرة للبنية الاساسية قيد التنفيذ يركز بعضها على تركيا المجاورة لتعزيز التجارة السنوية التي تبلغ قيمتها حاليا خمس أو ست مليارات دولار. ويشير جلبي الى وجود جسر واحد بين البلدين تمر عبره 1500 شاحنة يوميا. وقال ان هناك اتفاقا لمد جسرين اضافيين ولتوسيع العرض حتى يمكن استيعاب الحركة المرورية الاضافية. لكن النزاعات بين أربيل وبغداد تعيق النمو في كلا الجانبين. وتقول الحكومة الاتحادية ان العقود التي وقعتها حكومة اقليم كردستان مع شركات النفط لتطوير الحقول غير مشروعة. وأدى هذا النزاع الى وقف الصادرات من كردستان في العام الماضي ولم يتمكن الجانبان من حل الخلافات. وأبدى برهم صالح غضبه الشديد من أن كردستان تخسر مليارات الدولارات سنويا بسبب توقف الصادرات من هناك. وتفخر السلطات الكردية في موقعها على الانترنت بأنه لم يلق أي جندي من قوات التحالف حتفه هناك كما لم يتم خطف ولو أجنبي واحد في كردستان العراق خلال الحرب. وساعد هذا الوضع الامني الاكراد على أن ينعموا بأسباب الراحة. ويقول خالد ناوزاد (22 عاما) وهو عامل في صالة للبولينج بأربيل ان السكان يقفون في طابور في انتظار دورهم للعب. وقال "أتمنى أن تتمتع كل أجزاء العراق بنفس الرفاهية.. لكني أعلم أنه من شبه المستحيل في ظل الوضع الامني الراهن المتردي... أتمنى أن يختفي العنف يوما وأن تعود الحياة لطبيعتها." من شمال عقراوي (شارك في التغطية أحمد رشيد وأسيل كامي في بغداد)