يعقد مجلس النواب اللبناني جلسة ظهر اليوم الاربعاء لانتخاب رئيس للجمهورية خلفا لميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 25 مايو، لكن سيكون متعذرا اتمام عملية الانتخاب نظرا للانقسام السياسي الحاد في البلاد بين طرفين اساسيين على خلفية النزاع السوري. ويتطلب انعقاد الجلسة حضور ثلثي اعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 128، وهو امر شبه محسوم. وبحسب الدستور، يحتاج المرشح الى ثلثي اصوات المجلس اي 86 صوتا للفوز في الدورة الاولى، ثم الى الاكثرية المطلقة في الدورات التي تلي، من دون ان يتغير النصاب المطلوب. وبحسب التصريحات المعلنة، فان قوى 14 آذار المناهضة لدمشق ستصوت لاحد ابرز قيادييها سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، الذي يعتبر بشكل عام مرشح تحد للفريق الآخر المتحالف مع دمشق وابرز مكوناته حزب الله الذي يقاتل الى جانب قوات نظام الرئيس بشار الاسد داخل سوريا. اما قوى 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه وابرزهم الزعيم المسيحي ميشال عون) فيتوقع ان تضع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع. وينقسم المجلس بشكل شبه متساو بين الفريقين اللذين لا يملك اي منهما الاكثرية المطلقة. وتوجد مجموعة من النواب الوسطيين او المستقلين، معظمهم ينتمون الى كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط التي يمكن ان ترجح الكفة بعد الدورة الاولى لمرشح او لآخر. واعلن جنبلاط الثلاثاء ان كتلته رشحت احد اعضائها النائب هنري حلو، باسم ''الحوار والاعتدال''. وردا على سؤال لتلفزيون ''ال بي سي'' من مقره في معراب (شمال شرق بيروت)، قال جعجع الذي بدا بوضوح انه لا يعلق آمالا على انتخابات اليوم، ان ''الخطوة الجبارة التي تحققت اليوم هي فتح المجال للمرة الاولى منذ عشرات السنوات لإجراء انتخابات طبيعية''. وتابع ''كنت اتمنى ان يكون للفريق الاخر مرشح''، مضيفا ''هذه بروفة، خطوة اولى لا بد بعدها من اجراء انتخابات جدية''. وعلى الرغم من المواقف المعلنة، وبسبب حساسيات سياسية وطائفية، يتوقع ان يشذ بعض اعضاء قوى 14 آذار عن الاجماع على جعجع الذي قد ينال في المقابل تأييدا من بعض الوسطيين او المستقلين. بينما قد يصوت وسطيون آخرون ومستقلون بورقة بيضاء. وفي بلد لا يشترط فيه ان يتقدم الراغب بالوصول الى سدة الرئاسة بترشيح رسمي، فقد تخرج الجلسة باصوات تعطى لمرشحين آخرين من الطائفة المارونية التي ينتمي اليها رئيس الدولة في لبنان بموجب ''الميثاق الوطني''. واعلن نائبان على الاقل من مدينة طرابلس في شمال لبنان انهما لن يصوتا لجعجع على الرغم من التزامهما بقوى 14 آذار، بسبب صدور حكم في حق جعجع في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي، ابن طرابلس، خلال الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990). وجعجع هو زعيم الحرب الوحيد الذي دخل السجن وحوكم في ملفات متعلقة بالحرب. ويقول فريقه انه استهدف بسبب رفضه الانصياع لإرادة دمشق التي كانت تمارس هيمنة واسعة آنذاك على لبنان. وتترافق جلسة اليوم مع حملة على جعجع في طرابلس حيث علقت لافتات تصفه ب''القاتل'' و''السفاح''، وفي صحيفة ''الاخبار'' القريبة من حزب الله التي نشرت صور النواب الذين يتوقع ان يصوتوا لجعجع مع عنوان ''نواب العار''. ويعتبر سمير جعجع من اشد خصوم حزب الله، وقد رفض مشاركة حزبه في الحكومة التي شكلت اخيرا وضمت ممثلين عن كل الاطراف السياسية الاساسية، لأنه كان يشترط لتشكيل حكومة مختلطة، انسحاب الحزب من سوريا والبدء ببحث جدي حول سلاح هذا الحزب الذي يطالب بوضعه تحت اشراف القوى الشرعية. واجمعت الصحف والمحللون اليوم على ان لا مفاجآت متوقعة في الجلسة الاولى بسبب عدم تمكن اي مرشح من الحصول على غالبية الثلثين، لكن الغموض يحيط بمصير الجلسة الثانية، وما اذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو على الفور الى دورة اقتراع ثانية، ام سيعمد بعض النواب، الى تعطيل نصاب الثلثين للحؤول دون وصول مرشح بالاكثرية المطلقة لا يرضون عنه. وكتبت صحيفة ''النهار'' القريبة من 14 آذار في عددها الصادر اليوم ان ''الفقدان المتوقع للنصاب في الدورة الثانية'' سيحول دون اجراء الاستحقاق، و''استمرار هذا التعثر يهدد بفراغ في سدة الرئاسة الاولى''. وكتبت صحيفة ''السفير'' القريبة من 8 آذار من جهتها ان ''الاسماء الجدية'' للرئاسة ''يجري ادخارها الى الدورة الثانية، على ان يتم اختيار واحد منها في ضوء حصيلة التفاعل بين العوامل المحلية والاقليمية والدولية التي لا تزال تحتاج الى وقت اضافي لكي تختمر''، معتبرة ان ''التفاوض الحقيقي في الداخل والخارج على الرئيس المقبل لن يبدأ الا تحت ضغط الفراغ بعد 25 مايو''. وغالبا ما خضع اختيار الرئيس في لبنان لإملاءات خارجية، أو على الاقل لتدخلات من دول مختلفة تملك مصالح معينة في لبنان. وتمكنت دمشق من فرض رؤساء موالين لها منذ انتهاء الحرب الاهلية (1975-1990) وحتى تاريخ انسحاب جيشها من لبنان العام 2005 بعد ثلاثين سنة من التواجد. في 2008، وبعد فراغ في سدة الرئاسة استمر اكثر من سبعة اشهر، ومواجهة عسكرية بين انصار حزب الله وخصومه قتل فيها أكثر من مئة شخص، تم التوصل الى ''توافق'' محلي ودولي على انتخاب ميشال سليمان الذي كان في حينه قائدا للجيش.