بدأت مساء الأربعاء عمليات فرز الأصوات في الاستفتاء الذي جرى يومي الثلاثاء والأربعاء على مشروع الدستور الجديد لمصر، وبدا واضحا ان النتيجة محسومة وبأكثرية ساحقة لصالح ال''نعم''، بينما يبقى السؤال كم بلغت نسبة المشاركة؟. وفي حال تبين ان نسبة المشاركة تخطت 50 بالمئة كما تأمل الحكومة فان ذلك سيعتبر بمثابة غطاء شرعي للخطوة التي قام بها القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس الاسلامي محمد مرسي، وسيفسر أيضا كمبايعة شعبية له للترشح للرئاسة. وبحسب التقديرات الأولية التي أوردتها وسائل الإعلام الرسمية مساء الأربعاء فان نسبة الذين صوتوا ب''نعم'' على مشروع الدستور بلغت 90 بالمئة على الأقل، في حين لم تعرف نسبة المشاركة. قال المتحدث باسم الحكومة المصرية هاني صلاح لفرانس برس ''نأمل أن تتجاوز نسبة المشاركة 50 بالمئة'' في هذا الاستفتاء الذي يبدو كما لو كان مبايعة لوزير الدفاع، الرجل القوي في مصر الذي يتمتع بشعبية واسعة في البلاد وخصوصا أن خصومه، الاخوان المسلمين، دعوا إلى المقاطعة. وفي بيان صدر عقب إغلاق صناديق الاقتراع وجه العقيد أركان حرب احمد علي، المتحدث باسم الجيش ''رسالة شكر من القوات المسلحة'' إلى ''الجموع الحاشدة'' التي شاركت في ''ملحمة الاستفتاء''. وفي الصفوف التي تشكلت أمام مكاتب الاقتراع في القاهرة، أكد كل الناخبين تقريبا بإصرار أنهم سيصوتون ب''نعم'' بعضهم للتعبير عن ''تأييدهم للسيسي'' والبعض الآخر لتأكيد رفضهم ل''الإخوان المسلمين''. وقال أخرون إنهم يقولون نعم من أجل ''الاستقرار'' الذي يمكن أن يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية بعد ثلاث سنوات من الاضطراب أدت إلى تصاعد مضطرد في معدلات التضخم الذي بلغ أكثر من 10 بالمئة في العام 2013. ولم يتردد السيسي في خطاب ألقاه السبت في الربط بوضوح بين دعوته للمصريين للمشاركة بكثافة في الاستفتاء والتصويت ب''نعم'' للدستور وبين مستقبله السياسي إذ قال إنه سيترشح للرئاسة ''إذا طلب الشعب'' ذلك. ومن المقرر أن يحل مشروع الدستور الجديد محل الدستور الذي أعد أثناء حكم الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي واعتمد بنسبة 64 بالمئة من الأصوات لكن مع نسبة مشاركة بلغت بالكاد 33 بالمئة من الناخبين المصريين البالغ عددهم 53 مليون شخص. حوادث وتوقيفات ومنذ فتح مكاتب الاقتراع الثلاثاء، تم توقيف اكثر من 350 شخصا من بينهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين بتهمة السعي لتعطيل الاستفتاء وعمليات الاقتراع، بحسب وزارة الداخلية. وقتل تسعة أشخاص الثلاثاء على هامش تظاهرات نظمها أنصار الرئيس السابق للاحتجاج على الاستفتاء فيما انفجرت قنبلة بدائية الصنع في القاهرة قبل فتح مكاتب الاقتراع. ولم تقع أي حادثة كبيرة الأربعاء إلا أن عشرات من أنصار مرسي أغلقوا محطة مترو في القاهرة لفترة وجيزة وحاولوا التظاهر في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة إلا أن الشرطة فرقتهم. ودعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري الولاياتالمتحدة إلى استفتاء ''شفاف'' فيما يستعد الكونجرس الأميركي هذا الاسبوع للسماح بسداد مليار دولار لمصر من بينها مساعدة عسكرية أمريكية كان تم تجميد جزء منها بعد عزل مرسي. ومشروع الدستور الجديد، الذي اعدته لجنة من خمسين عضوا، حذفت منه المواد التي كانت تسمح بأكثر التفسيرات تشددا للشريعة الإسلامية وأضيفت إلى الدستور الذي أعد تحت حكم مرسي. لكنه وسع صلاحيات الجيش. ترحيب ورحبت الصحافة المصرية صباح الأربعاء بسير عمليات الاقتراع. وعنونت صحيفة الجمهورية الحكومية ''المصريون اختاروا المستقبل، الملايين يكتبون التاريخ أمام لجان الاستفتاء'' فيما كتبت صحيفة ''المصري اليوم'' المستقلة ''الشعب يجدد الثورة في الصندوق''. من جهتها عنونت صحيفة الأهرام ''المصريون يدقون أبواب الحرية والمستقبل، الملايين احتشدت للتصويت على الدستور بالزغاريد والأفراح''. ولضمان أمن عمليات الاقتراع التي تختتم مساء الاربعاء، أعلنت الحكومة عن نشر 160 ألف جندي و200 ألف عنصر شرطة. الأكثر شعبية والسيسي وزير الدفاع والنائب الاول لرئيس الوزراء وقائد الجيش هو الأكثر شعبية في مصر الآن وصوره معلقة في الشوارع وعلى أبواب المحلات وفي بعض الإدارات. لكنه العدو اللدود للإسلاميين المؤيدين لمرسي الذين يتهمونه بالقيام ب''انقلاب عسكري''. وكان السيسي هو الذي أعلن في الثالث من يوليو اقالة مرسي وعين في اليوم نفسه عدلي منصور رئيسا موقتا وتلا أمام الكاميرات خارطة الطريق التي تقضي بإجراء انتخابات ''حرة'' في النصف الأول من العام 2014. وجاء ذلك بعدما نزل ملايين المتظاهرين إلى الشوارع في 30 يونيو للمطالبة برحيل الرئيس الإسلامي الذي اتهموه بالسعي إلى تمكين جماعته من كل مفاصل الدولة والفشل في إصلاح اقتصاد على وشك الانهيار. ومنذ ذلك الحين قتل أكثر من ألف شخص في عمليات القمع واعتقل الاف من الإخوان المسلمين من بينهم الغالبية العظمى من قيادات الجماعة. ومثلهم مثل مرسي، يحاكم قياديو الإخوان بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين أثناء توليهم السلطة وهي تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام. ويرى خبراء أن السلطة الجديدة ترى في هذا الاقتراع وسيلة للحصول على مبايعة شعبية. واكد اندرو هاموند الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ''إنهم بحاجة إلى اقتراع شعبي بالثقة يتيح للفريق أول السيسي الترشح للرئاسة إذا ما قرر ذلك''. ورأى اسكندر عمراني مدير إدارة شمال افريقيا في مجموعة الأزمات الدولية ان الاستفتاء ''اختبار لنظام ما بعد مرسي أي للنظام الجديد القائم''.