نفذ صحافيو تونس الثلاثاء اضرابا عاما هو الثاني منذ وصول حركة النهضة الاسلامية الى الحكم، والثاني في تاريخ البلاد، لمطالبة السلطات القضائية باعتماد قانون الصحافة الجديد في محاكمة الصحافيين وبوقف ملاحقتهم استنادا الى القانون الجنائي التونسي الموروث من عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقال منجي الخضراوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين (مستقلة) التي دعت الى الاضراب، لفرانس برس إن "نسبة المشاركة في الاضراب تجاوزت 90 في المئة، وهي نسبة غير نهائية". ولفت الى حدوث "محاولة فاشلة لكسر الاضراب" في الاذاعة العمومية التي يرأسها محمد المؤدب المحسوب على حركة النهضة، والذي تطالب نقابات صحافية بعزله وتعيين مستقل مكانه. وأعلنت نجيبة الحمروني رئيسة نقابة الصحافيين خلال تجمع أقيم أمام مقر النقابة وحضره نحو 250 شخصا بين صحافيين ومواطنين ونشطاء حقوقيين وسياسيين، ان اضراب الثلاثاء كان "ناجحا" وان التحركات الاحتجاجية ستتواصل إذا واصل القضاء محاكمة الصحافيين بمقتضى فصول "سالبة للحرية" من القانون الجنائي. وطالبت الحمروني السلطات القضائية في بلادها بالاستناد في الدعاوى ضد الصحافيين الى "المرسوم 115" (قانون الصحافة الجديد) الذي يضمن حق الصحافي في الدفاع ويحميه من السجن قائلة ان سجن الصحافيين على خلفية عملهم "خط أحمر". والجمعة أصدر قاضي التحقيق بمحكمة تونس الابتدائية مذكرة توقيف ضد الصحافي والنقابي البارز زياد الهاني المعروف بانتقاده الشديد لحركة النهضة. ويلاحق الهاني على خلفية اتهامه، خلال برنامج بثه تلفزيون "نسمة" التونسي الخاص يوم 28 آب/أغسطس الماضي، المدعي العام للجمهورية بتوفير أدلة ملفقة لتبرير حبس المصور مراد محرزي بسبب تصويره لحادثة رشق بيضة على وزير الثقافة مهدي مبروك يوم 16 آب/أغسطس. واعتبرت نقابة الصحافيين الجمعة في بيان أن توقيف الهاني بدون استجوابه أو تمكين محاميه من الترافع امام القضاء مثلما يقتضي القانون، يشكل عملية "اختطاف" و"خطوة إجرامية" و"حلقة من حلقات سياسة القمع والترهيب التي تتوخاها (السلطات) منهجا في معاداة حرية التعبير والصحافة والإبداع والتعبير ضد الإعلاميين والفنانين والمبدعين". واتهمت النقابة الحكومة ب"مواصلة تنفيذ مخططها الساعي إلى ضرب حرية التعبير والصحافة والإبداع عبر توظيف القضاء من أجل سجن وترهيب الصحافيين والإعلاميين والمبدعين" مطالبة ب"وضع حد لمهزلة سجن الصحافيين والمبدعين". والاثنين أفرج عن الهاني بشكل مؤقت بكفالة مالية بقيمة 2000 دينار (نحو ألف يورو) على أن تبدأ محاكته يوم 24 أيلول/سبتمبر الحالي. ويلاحق الهاني بموجب الفصل 128 من القانون الجنائي الذي يعاقب بالسجن مدة عامين وبغرامة قدرها 120 دينارا (نحو 60 يورو) "من ينسب لموظف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم أو عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار أموراً غير قانونية متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك". ونقلت وكالة الانباء الرسمية عن نجيبة الحمروني قولها ان "هناك خطة (حكومية) ممنهجة للتضييق على الصحافيين والاعتداء عليهم انطلقت منذ نشر وسائل إعلام معلومات خطيرة حول اغتيال" المعارضين العلمانيين شكري بلعيد في 6 شباط/فبراير 2013 ومحمد البراهمي في 25 تموز/يوليو 2013. واتهمت وزارة الداخلية "سلفيين تكفيريين" باغتيال بلعيد والبراهمي فيما تتهم عائلتا القتيلين حركة النهضة الاسلامية باغتيالهما وهو أمر نفته الحركة بشدة. ودعت "النقابة العامة لأعوان وموظفي وزارة الداخلية" التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية القوية) الثلاثاء السلطات الى "وقف كل المحاكمات الجائرة وعدم ملاحقة" منظوريها أمام القضاء. وقالت النقابة في بيان "تم رفع دعوات قضائية غير مبررة" ضد أربعة من منخرطيها دون أن توضح إن كانت وزارة الداخلية هي التي رفعت الدعاوى أم جهة أخرى. والاثنين أعربت منظمة مراسلون بلا حدود عن "قلقها" بسبب "زيادة الملاحقات القضائية ضد الصحافيين (في تونس) من قبل الشخصيات العامة" بموجب القانون الجنائي. وانتقد الاتحاد الدولي للصحافيين في بيان الاثنين ما سماه "تصاعد هجمات السلطات القضائية (في تونس) ضد الصحافيين" معتبرا أن ذلك "يعكس عدم تسامح السلطات التونسية مع أي شكل من أشكال النقد الموجه إليها". وأعلن الاتحاد "مساندته الكاملة" للاضراب العام لصحافيي تونس. واثارت النيابة العامة في تونس اخيرا دعاوى قضائية عدة ضد صحافيين بموجب فصول من القانون الجنائي التونسي الذي تصفه منظمات حقوقية دولية ب"القمعي" عوض "المرسوم 115" (قانون الصحافة الجديد) الذي نشر بالجريدة الرسمية في 2 تشرين الأول/نوفمبر 2011. وينص المرسوم على ضرورة تطبيق قانون الصحافة الجديد منذ نشره في الجريدة الرسمية، وعلى إلغاء جميع النصوص القانونية الأخرى التي تتعارض مع أحكامه. ويمنع الفصل 13 من المرسوم 115 "مساءلة أي صحافي بسبب عمله إلا إذا ثبت إخلاله بالأحكام الواردة بهذا المرسوم دون غيره" من القوانين الاخرى. وأعلن رضا جنيّح أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، وأحد المشاركين في صياغة المرسوم 115 ان القضاء التونسي "ليس له استقلالية كاملة" وان وزارة العدل "ما زالت تعطي التعليمات للنيابة العامة لملاحقة الصحافيين وتوقيفهم" وهو أمر نفاه وزير العدل نذير بن عمو (مستقل). وفي 14 أيلول/سبتمبر 2013 أعلنت الحكومة في بيان أن "استدعاء السلطات القضائية لبعض الصحافيين للمثول أمامها كسائر المواطنين لمساءلتهم (...) هو شأن قضائي لا دخل للحكومة فيه". وفي 6 ايلول/سبتمبر، دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" السلطات التونسية إلى تطبيق قانون الصحافة الجديد "دون غيره في جميع القضايا المرتبطة بحرية الصحافة وحرية التعبير". وفي 5 أيلول/سبتمبر، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطات التونسية "استخدمت...القوانين القمعية الموروثة... بشكل متكرر لمحاكمة أشكال التعبير التي تعتبرها غير مقبولة" ودعتها الى "التخلي عن القوانين الموروثة عن الحقبة القمعية بدل استخدامها لإخماد الأصوات المنتقدة". يذكر أن صحافيي تونس نفذوا اضرابا عاما في 17 تشرين الاول/اكتوبر 2012 للاحتجاج على رفض الحكومة تفعيل قانون الصحافة الجديد ولمطالبتها ب"رفع يدها" عن الاعلام.