يتسلم الالماني توماس باخ الرئيس التاسع للجنة الاولمبية الدولية، الذي انتخبته الجمعية العمومية خلال دورتها ال125 التي عقدت في بيونس ايرس، مهامه رسميا الثلاثاء. باخ (59 عاما)، نائب الرئيس في ولاية البلجيكي جاك روغ (71 عاما) الذي يخرج بهدوء وسكينة، اعطته الترجيحات منذ البداية نسبة نجاح فاقت ال45 في المئة، وقد ترجم صندوق الاقتراع ذلك في الجولة الثانية اذ حصد 49 صوتا من اصل 93 مقترعا، فيما نال منافسه المباشر المصرفي البورتوريكي ريتشارد كاريون رجل المال في اللجنة الدولية 29 صوتا. ومن المنتظر ان يدشن باخ مرحلة حساسة بعد عهد روغ الانتقالي (2001 -2013) لعصر الاسباني خوان انطونيو سامارانش (1980 - 2001). وقد توقع روغ الطبيب البلجيكي المستقيم والخلوق ان يكون باخ "رئيسا كبيرا" استنادا الى الفارق المريح في الاصوات. فالمحامي البافاري، الذي بات اول بطل اولمبي (ذهبية الفرق للحسام في دورة مونتريال عام 1976) يتولى الرئاسة، نسج علاقات راسخة وواسعة ضمن المؤسسة الاولمبية الدولية واجهزتها وقد دخل اروقتها عام 1981 واصبح عضوا دوليا في سن ال36 (الجمعية العمومية التي انعقدت في19 حزيران/يونيو ببرمنغهام) بالتزامن مع دخول سلفه هذه العائلة. ومنذ ان ارسى حضوره الاولمبي في عهد سامارانش، توسم كثر له ب"مستقبل رئاسي". وعلى خلاف منافسيه، لم يبدأ باخ حملته الرئاسية في 9 ايار (مايو) الماضي، بل قبل سنوات وظهر ذلك جليا خلال بطولة العالم لالعاب القوى عام 2009 في برلين، وكثر حينها الحديث عن تطلعه لخلافة روغ. زاول باخ، ابن بائع للأقمشة، في شبابه كرة القدم والتنس، ثم تحول الى المبارزة . وانضم في سن ال20 الى صفوف منتخب بلاده. وكان احرز بطولة العالم للناشئين عام 1973. ثم سجل تفوقه في مونتريال 1976 وفي بطولة العالم للكبار عام 1977. ولم يمنعه استعداده لدورة موسكو الاولمبية عام 1980 من متابعة دراسته الحقوق، ولما قاطعت المانياالغربية الدورة الاولمبية كان الناطق باسم زملائه، مطلقا التصريحات الرافضة لهذه الخطوة والمنادية بفصل الرياضة عن السياسة. وقد لفت هذا النشاط نظر سامارانش المنتخب حديثا رئيسا للجنة الدولية، فضم باخ الى لجنة الرياضيين الاولمبيين. بين العامين 1984 و1987، تعاون باخ مع رئيس "اديداس" هورست داسلر ثم اسس مع زميلين له مكتبا لمحاماة الاعمال. ومنذ انتخابه في اللجنة التنفيذية للجنة الدولية، اضحى باخ احد العناصر المؤثرة فيها، فضلا عن توليه رئاسة اللجنة القانونية. كما رئس عام 2006 اللجنة الاولمبية الالمانية التي "ترعى" 28 مليون رياضي في 91 الف ناد و98 اتحادا. وساهم باخ في اطلاق التحقيق حيال تقرير حول تناول رياضيين المان غربيين منشطات في ستينات القرن الماضي وسبعيناته. ومن موقعه كرئيس للجنة الاولمبية الالمانية حض على نشر تقرير جامعة هومبولدت فورا بعد ان سربت صحيفة "سودويتش زيتونغ" مضمونه، علما ان بعضهم خشي ان يؤثر ما كشف على آمال باخ في الرئاسة الدولية. وتعكس مسيرة باخ بطرق عدة مسيرة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السويسري جوزف بلاتر. إذ ان رئيس اديداس اسهم كثيرا في وصول بلاتر الى رئاسة ال"فيفا"، واختار باخ، عضو اللجنة المنظمة المحلية لمونديال كرة القدم ألمانيا - 2006، ليكون محاميا لشركته، قبل ان يصبح شخصية بارزة في محكمة التحكيم الرياضية. وسيتنطح باخ، الديبلوماسي والمنظم الذي يتقن خمس لغات، لمهمة "اصلاح" المؤسسة الاولمبية والعابها. واول الملفات الساخنة دورة سوتشي الشتوية في شباط (فبراير) المقبل. فور انتخابه اعلن الرئيس العتيد ان "اللجنة الاولمبية الدولية اوركسترا كونية كبيرة وانا قائدها"، داعيا الجميع الى "العزف معا في انسجام من اجل المستقبل المشرق للحركة الاولمبية". وكشف انه سيجري جلسات استشارات وتفكير جماعي "من اجل برنامج الالعاب، وطبعا لست سوى فرد في مجموعة". كما تطرق الى تنظيم ريو دي جانيرو لالعاب 2016. ففي ضوء تقرير تقويمي من 44 نقطة، يتضح ان الاستعدادات متأخرة والاحوال شبيهة بما كانت عليه ورشة "اثينا 2004" خصوصا ما يتعلق بالنقص في الفنادق، ومسابقات لم تتضح بعد معالم مرافقها الى مشاكل في البنية التحتية. لكن باخ يأمل في تجاوز البرازيليين هذه العقبات، وفوزهم بإرث اولمبي وبنية تحتية ممتازة ووسائل نقل وقرية رياضيين ستصبح حيا سكنيا. وبالطبع ستحكم التحديات ولاية باخ الاولى، وهو الداعي الى "الوحدة في التنوع، واعتماد ترشح للالعاب اكثر مرونة". من هنا، اعتبر خبراء ان الرئيس الجديد وبتفاهم غالبية اعضاء اللجنة الدولية هو "محافظ مرن" على "ارث روغ". الابواب المفتوحة فعندما انتخب اختصاصي العظم في موسكو (16/7/2001) رئيسا، كان عليه اصلاح الكثير والتغيير في مؤسسة ترفض العولمة. لكنه اعطاها حجما مختلفا. فقد تسلم كنزا كان عليه اعادة البريق اليه وحسن استثماره. كما كان عليه ان يظهر اختلافه وتميزه. وعرف بتفضيله المناقشات الشفافة المفتوحة وتبادل الآراء على اجتماعات الابواب المغلقة. وادارة اللجنة الدولية كرئيس مجلس ادارة شركة متعددة الجنسيات فارضا التدقيق المالي، رافعا شعار: نناقش، نقرر، ننفذ. تسلم روغ الرئاسة وفي صندوق اللجنة الدولية 105 مليون دولار، ويسلمها لباخ وقد ارتفعت السيولة الى 901 مليون دولار. في بونيس ايرس، شكر باخ سلفه العزيز لتركه "ارثا ذا شأن واسسا صلبة". لكنه يدرك العمل الشاق الذي ينتظره على صعيد الحد من حجم الالعاب على اكثر من صعيد وجذبه لمدن جديدة تنظمها لا سيما في مناطق جديدة (مشروع ترشح مدينة دوربان الجنوب افريقية لدورة 2024). فقد عمل روغ لمرافق اقل كلفة لكنه لم ينجح الا جزئيا. واذا كان ارسى معادلة 28 لعبة و10500 رياضي ورياضية و300 مسابقة حدا اقصى، لا يزال الانفاق كبيرا ويتعدى احيانا بعشرات بلايين الدولارات الموازنات المقدرة في ملفات الترشح. كما ان الاتحادات الدولية ترفض عموما تغييرا يمس بمصالحها او تطالب بحصة مالية اكبر. على طاولة باخ في لوزان تتكدس ملفات ومشاريع عدة ناجحة عززها روغ. فقد شجع العهد السابق الاستقلاية المالية للجان الوطنية والاتحادات الدولية، وساهمت اللجنة الدولية بنصف موازنة الوكالية الدولية لمكافحة المنشطات. وفي وقت طغى حصد الارباح المالية على اولوية الرياضة، اطلق روغ الالعاب الاولمبية للشباب كاداة تواصل، كما استثمر مساهمات الشركاء في اطار برامج انسانية وتعليمية وبيئية وحملات للسلام ومحاربة المراهنات غير المشروعة والتلاعب بنتائج المباريات ومكافحة السيدا والمنشطات. وفي عهده دخلت اللجنة الاولمبية الدولية استقرارا وشهدت اعترافا عالميا لا سابق له، واصبحت عضوا مراقبا في الاممالمتحدة (عام 2009). وبناء عليه سيكون باخ مطالبا بان يبث في الحركة الاولمبية زخما جديدا يحصن مستقبلها ووحدتها ويحافظ على هيبتها وصدقيتها التي ثبتها سلفه اثر فضيخة سولت لايك سيتي والتي كادت ان تفجرها. وهذا ما تأمله عائلة اللجنة الدولية على رغم شكوك بعضهم.