قال المسؤولون الأمريكيون إنهم سيقدمون دعما مباشرا بالسلاح للثوار في سوريا، فيما ينظر الخبراء في تأثير ذلك القرار على الصراع الدائر في سوريا وعلى المنطقة برمتها. قال المسؤولون الأمريكيون إنهم يعتقدون أن قوات النظام في سوريا قد لجأت إلى استخدام أسلحة كيميائية ضد المعارضة. وصرح الأستاذ في معهد الدبلوماسية العامة والاتصال العالمي في جامعة جورج واشنطن بي جي كرولي: توصلت الإدارة الأمريكية إلى أن نظام الأسد لجأ إلى استخدام كميات قليلة من الأسلحة الكيمياوية، وبما أن ذلك الخط الأحمر قد وجد، فإن شيئا ما يجب أن يتغير . ويعكس ذلك القرار أيضا تحولا رهيبا في الزخم الذي تشهده رحى الحرب الدائرة على الأرض. فمع تزايد التدخل من قبل إيران دعما منها لقوات النظام، ودخول حزب الله بكل قوته أيضا، إلى جانب وجود احتمالية ضئيلة للتوصل إلى حل سياسي، أضحى السلاح هو الأقل سوءا بين خيارات متعددة. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ تساؤل تعتمد إجابته على ماهية الدعم الإضافي الذي يجري تقديمه، وما إذا كانت المعارضة قادرة على الاستفادة منه بشكل قوي، بينما استبعد أن يكون هناك تدخل من قبل القوات الأمريكية على الأرض. وقد يكون فرض منطقة الحظر الجوي، عندما يصبح الأمر ممكنا، سببا في جعل الولاياتالمتحدة طرفا مباشرا في هذه الحرب الأهلية، وهي خطوة تلقى دعما شعبيا محدودا. ولا تعتبر الأسلحة الخفيفة كافية، كما أن الصواريخ المضادة للطائرات قد يجري تهريبها خارج الأراضي السورية مما يجعلها تمثل تهديدا على الطيران التجاري. ويبدو ذلك أشبه ما يكون بحرب الوكالة التي شنتها الولاياتالمتحدة إبان الحرب الباردة، حيث تكمن الفكرة في تكبيد غرمائه تكاليف باهظة، بما فيهم روسياوإيران وحزب الله. ويمكن لذلك أن ينجح، كما يمكن أن تكون له آثار سلبية أيضا، أما الأمر المؤكد فهو أنه لن ينتهي في وقت قصير. وقال صاحب كتاب سرير من أجل الليلة ديفيد ريف: إنسانية في مواجهة أزمة! : من المستحيل معرفة ما ستتمخض عنه نتيجة ذلك القرار المتسرع الضعيف الذي اتخذته إدارة أوباما والذي من شأنه أن يمنح بعض الأسلحة المتقدمة للعناصر التابعة للمتمردين في سوريا التي ترى واشنطن إمكانية دعمهم بشكل سلمي . فعلى الرغم من أن قوات النظام السوري ومقاتلي حزب الله تمكنوا من إحراز انتصارات على قوات المعارضة في مدينة القصير وضواحي العاصمة السورية، لا يزال الوضع في ساحة المعركة غير واضح حيث إن كل طرف من طرفي الصراع لا يزال متيقنا من أن النصر النهائي سيكون حليفه ضد الآخر. ويعتمد الكثير في ذلك على كمية الأسلحة التي تخطط الولاياتالمتحدة لإرسالها إلى المعارضة ومدى فاعليتها، إلى جانب عدد المدربين الذين ستقوم بإرسالهم إلى هناك لضمان استخدام تلك الأسلحة على أكمل وجه. وما يبدو واضحا الآن يتمثل في أن الإدارة الأمريكية -بعد إصرارها خلال ما يربو على عامين على تأكدها من أن النظام السوري سيسقط- تدرك الآن أن نظرتها لسوريا كونها حجر الدومينو في الربيع العربي هي نظرة مراهقة، وأن المساعدة العسكرية الخارجية للثوار في سوريا ضرورية لا للتأكد من انتصارهم، بل لدرء هزيمتهم. ورأت كبيرة الباحثين في معهد دراسة الحروب إليزابيث أو باغي: لن يكون الدعم بالأسلحة والذخائر الخفيفة كافيا إلا للمحافظة على قدرة قوات المعارضة الدفاعية، وقد يكون من شأنها أن تمنع وقوع هزيمة نكراء لتلك القوات . وأضافت مع تدخل مقاتلي حزب الله إلى جانب نبرة الثقة الجديدة التي تبدو ظاهرة في كلام قوات النظام حول تقدمها في مدينة حلب، لن يكون الدعم العسكري الذي سيجري تقديمه كافيا لتحويل مسار الأحداث في اللحظة الراهنة. فبشكل صريح، فإن أي شكل من أشكال الدعم الذي لا يتضمن سلاحا مضادا للطائرات لن يكون له فائدة في حماية المدنيين، بل سيكون له دور ضعيف في تخفيف معاناتهم من تهديد القصف الجوي. ويجب أن تؤخذ في الاعتبار الخيارات الإضافية الأخرى التي من شأنها أن تحد من الخسائر البشرية، وتخفف من المخاطر التي تتهدد الاستقرار في المنطقة. كما يجب للاستراتيجية المشتركة التي ستساعد أيضا على إحداث شلل في القوات الجوية السورية أن تكون جزءا من أي سياسة من شأنها أن تحدد مسار الصراع في سوريا. وتساءل جوشوا لانديس من مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة أوكلاهوما: هل سيكون الرئيس الأمريكي راضيا إذا ما استطاع الجيش السوري الحر السيطرة على مدينة حلب والمناطق الشمالية من سوريا، وهو ما سيقسم البلاد إلى جزءين؟ وهل سيقرر ما إذا كان يجب للثوار أن يسيطروا على دمشق أيضا، وهو ما سيدفع النظام الذي تسيطر عليه الأغلبية العلوية، إلى التمركز في المناطق الجبلية الساحلية؟ وهل سيقرر أوباما دعم الثوار بالعتاد الكافي من الأسلحة حتى يتمكنوا من تدمير النظام ونزع السلاح من أيدي العلويين في القرى التي تنتشر بطول المناطق الجبلية الساحلية؟ والآن، وبما أن الإدارة الأمريكية قررت دعم المعارضة عسكريا، فإنه يجب عليها أن تضع أهدافا لما وراء ذلك. وتتمثل الخيارات المتاحة إما في تقسيم الدولة إلى جزءين، وذلك هو الحال الآن بشكل أو بآخر، أو في تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء، تبعا للأطياف العرقية التي تتبعها الأطراف المتنازعة، أو الإبقاء على الدولة جزءا واحدا. وذلك يعني تسليح المعارضة السنية بالسلاح الكافي لهزيمة كل من العلويين والأكراد. كما يجب على الولاياتالمتحدة أن تحمل على عاتقها المسؤولية للتأكد من عدم وقوع عمليات تطهير عرقي للأقليات في سوريا على أيدي الميليشيات السنية، التي تملؤها مشاعر الغضب والانتقام إزاء ما لقوه على أيدي الجيش السوري الذي تغلب عليه الطائفة العلوية. كما يمكن أن تضمن قوات حفظ سلام دولية عدم سفك الدماء إذا ما أراد أوباما تسليح الميليشيات السنية من أجل النصر. لذا، فإن على الرئيس الأمريكي واجبا أمام الشعبين الأمريكي والسوري، بالخروج بتصريح واضح حول ما يراه إزاء الأوضاع في سوريا، ونوع الحكومة التي يأمل رؤيتها في المستقبل.