دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يوم السبت إلى وقف فوري لأعنف مظاهرات مناوئة للحكومة تشهدها بلاده منذ سنوات في الوقت الذي اعتقلت فيه السلطات نحو ألف شخص في احتجاجات متفرقة بأنحاء البلاد. وأطلقت شرطة مكافحة الشغب المدعومة بعربات مدرعة وطائرات هليكوبتر الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه في اسطنبولوأنقرة لليوم الثاني. وقال وزير الداخلية التركي معمر جولر إن الشرطة اعتقلت 939 شخصا في أكثر من 90 مظاهرة مختلفة في أرجاء تركيا. وتفجرت الاحتجاجات بسبب خطط الحكومة الرامية لتحويل ثكنة ترجع للعهد العثماني إلي منطقة تجارية وسكنية في ميدان تقسيم في اسطنبول والذي يعد مكانا للاحتجاجات السياسية منذ فترة طويلة ولكنها اتسعت إلى مظاهرة كبيرة ضد اردوغان وحزبه العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية. وتجمعت حشود من المحتجين وهم يهتفون "كتف بكتف ضد الفاشية" ومطالبين "باستقالة الحكومة" في ميدان تقسيم حيث أصيب المئات في اشتباكات وقعت أمس الجمعة. وتناثر الزجاج والحجارة وسيارة مقلوبة في الميدان مع حلول الليل . وقال اردوغان في كلمة أذاعها التلفزيون "إذا كان هذا الأمر يتعلق بتنظيم التجمعات وإذا كان هذا حراكا اجتماعيا يجمعون فيه 20 فإنني سأقوم وأجمع 200 ألف شخص. وإذا جمعوا مئة ألف سأجمع مليونا من حزبي." وأضاف "كل أربعة أعوام نجري انتخابات وهذه الأمة تختار... أولئك من لا يقبلون سياسات الحكومة بامكانهم التعبير عن رأيهم في إطار القانون والديمقراطية." وفي وقت سابق انسحبت الشرطة من متنزه جيزي في تقسيم حيث بدأت المظاهرات بشكل سلمي يوم الاثنين إذ قام البعض بنصب خيام احتجاجا على قطع الأشجار تمهيدا لمشروع إعادة التطوير. وخرج النوادل من الفنادق الفخمة الموجودة بالميدان في يوم يفترض أنه عطلة أسبوعية يكتظ فيها السياح بإحدى أكثر المدن استقبالا للزوار في العالم لتوزيع الليمون على المحتجين الذين يقطرونه في أعينهم لتخفيف أثر الغاز المسيل للدموع. وقال أورال جوكتاس (31 عاما) وهو مهندس معماري يشارك في مسيرة سلمية باتجاه تقسيم "ثمة أناس من خلفيات مختلفة يأتون معا. فقد صار ذلك احتجاجا ضد الحكومة وضد اتخاذ اردوغان للقرارات وكأنه ملك." واشتبكت الشرطة مع محتجين يرشقونها بالحجارة في منطقة كيزيلاي وسط أنقرة بينما أطلقت طائرة هليكوبتر الغاز المسيل للدموع على الحشود. وطارد رجال شرطة مكافحة الشغب الذين يحملون صواعق كهربائية المتظاهرين في الشوارع الجانبية والمتاجر. واندلعت احتجاجات أيضا في مدينة ازمير المطلة على بحر إيجه. وقال اردوغان إن إعادة تطوير متنزه جيزي يستخدم كمبرر لإثارة الاضطرابات محذرا حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة من إذكاء التوتر. وكان الحزب المعارض قد حصل على تصريح بتنظيم مسيرة في اسطنبول. غير أن الاحتجاجات ضمت اناسا من أطياف مختلفة معارضين لاردوغان ولم ينظمها أي حزب سياسي. ودعا مسؤولو حزب الشعب الجمهوري أعضاءه إلى عدم رفع أعلام الحزب في الاحتجاجات إذ يخشون على ما يبدو تحميلهم مسؤولية العنف فيما اتهم زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو رئيس الوزراء بالتصرف كدكتاتور. وأضاف "عشرات الآلاف يقولون لا ويعارضون الدكتاتور... كونك الحزب الحاكم لا يعني أن بإمكانك أن تفعل ما يحلو لك." وأشرف اردوغان على تحول تركيا خلال عشر سنوات أمضاها في السلطة وحول اقتصادها من اقتصاد يعاني من أزمة مزمنة إلى الاقتصاد الأسرع نموا في أوروبا. ولا يزال اردوغان هو السياسي الأكثر شعبية في البلاد إلى حد كبير إلا أن معارضيه يشيرون إلى تسلطه وما يصفونه بتدخل حكومته في الحياة الخاصة متهمين إياه بالتصرف مثل السلاطين. وأدى ايضا تشديد القيود على بيع الخمور وتحذيرات من اظهار مشاعر الحب علانية في الاسابيع الاخيرة الى احتجاجات. واندلعت احتجاجات سلمية أيضا بسبب مخاوف من أن تؤدي سياسة الحكومة إلى أن يجر الغرب تركيا إلى الصراع في سوريا. وقال مسعفون إن ما يقرب من ألف شخص أصيبوا في الاشتباكات في اسطنبول. وقال اتحاد الأطباء التركي إن ما لا يقل عن أربعة متظاهرين فقدوا البصر بعد إصابتهم في العين بعبوات الغاز المسيل للدموع بينما يتلقى أربعة آخرون العلاج من كسور في الجمجمة. وأبدت وزارة الخارجية الأمريكية قلقها إزاء عدد الإصابات في حين دعت مسؤولة السياسية الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون جميع الأطراف إلى ضبط النفس. وأقر اردوغان بارتكاب أخطاء في استخدام الغاز المسيل للدموع وقال إن الحكومة تحقق في الأمر ولكنه أضاف أن الشرطة تحتفظ بحق استخدام القوة المناسبة وتعهد بالمضي قدما في خطط إعادة تطوير ميدان تقسيم. وفي حديثه عن المكان الذي شهد الكثير من المظاهرات الحاشدة قال اردوغان "لا يمكن أن يكون ميدان تقسيم مكانا تتسكع فيه الجماعات المتطرفة." من نيك تترسال وحميرة باموك (إعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير أحمد صبحي خليفة)