اقر البرلمان القبرصي في جلسة استثنائية مساء الجمعة ثلاثة مشاريع قوانين ابرزها قانون لاعادة هيكلة النظام المصرفي، وذلك من اصل ثمانية مشاريع قوانين تقوم عليها خطة انقاذ وضعتها الحكومة وما زالت بحاجة لان تتفق عليها مع شركائها الاوروبيين قبل الاثنين لتجنب الافلاس. وبعد اقرار مشاريع القوانين الثلاثة رفعت الجلسة قرابة منتصف الليل (22,00 تغ) على ان تناقش لاحقا المشاريع الخمسة المتبقية، وابرزها مشروع قانون يفرض ضريبة استثنائية لمرة واحدة قد تصل الى 15% على الودائع التي تزيد عن 100 الف يورو، بحسب التلفزيون الرسمي. وقانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي هو الاكثر اثارة للانقسام بين القوانين الثلاثة التي اقرت الجمعة، وقد مر باكثرية 26 صوتا فقط، في حين صوت ضده نائبا وامتنع 25 نائبا عن التصويت. اما القانونان الاخران اللذان اقرهما المجلس فهما قانون ينص على انشاء صندوق للتضامن الوطني وقانون آخر يحد من حركة الرساميل لتفادي حصول ضغط شديد على البنوك عند اعادة فتحها المقرر الثلاثاء. وتندرج هذه القوانين ضمن خطة بديلة تصارع الحكومة من اجل التوصل اليها بعد رفض البرلمان الثلاثاء اتفاقا مع الدائنين الدوليين نص على فرض ضريبة استثنائية تصل الى 9,9 بالمئة على جميع الودائع في البنوك في مقابل مساعدة بقيمة 10 مليارات يورو. وبينما كان النواب يستعدون للاجتماع احرقت مجموعة من الشبان المقنعين خلال تظاهرة احتجاجية امام البرلمان في نيقوسيا مساء الجمعة علم الاتحاد الاوروبي احتجاجا على خطة الانقاذ. ويتعين على جمهورية قبرص ان توفر بحلول الاثنين 7 مليارات يورو، اي اكثر من ثلث اجمالي انتاجها السنوي، وذلك للحصول على المساعدة الخارجية وايضا لاستمرار البنك المركزي الاوروبي في مد المصارف القبرصية بالسيولة العاجلة. والتأم البرلمان بعدما دعاه رئيس الجمهورية نيكوس اناستاسيادس "لتبني قرارات صعبة" من اجل "انقاذ البلاد". وكتب الرئيس على حسابه على موقع تويتر في تغريدة "ستتم دعوة البرلمان قريبا لتبني قرارات صعبة. وبعض اوجهها ستكون مؤلمة لكن يجب انقاذ البلاد". واكد المتحدث باسم الحكومة خريستوس ستيليانيدس ظهر الجمعة ان السلطات تجري "مفاوضات شاقة" مع ترويكا الجهات الدائنة (الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي). ويتعين على قبرص ان تعرض على شركائها بحلول الاثنين خطة تمويل بقيمة سبعة مليارات يورو كشرط لصرف هؤلاء الشركاء مساعدة بقيمة عشرة مليارات يورو وتفادي الافلاس. والخيار الروسي الذي راهنت عليه نيقوسيا بهدف الحصول على جزء من المساعدة الضرورية بدا انه تلاشى. فقد اعلنت السلطات الروسية انها غير مهتمة بالمقترحات التي قدمتها نيقوسيا بعد يومين من المحادثات في موسكو مع وزير المالية القبرصي ميخاليس ساريس. وميخاليس ساريس الذي وصل مساء الثلاثاء الى موسكو، سعى للحصول على التخفيف من شروط قرض بقيمة 2,5 مليار يورو منحته موسكو لجمهورية قبرص في 2011، واقترح على الروس استثمارات في قطاعي المصارف والطاقة مقابل مساعدة. واقر وزير المالية الروسي انطون سيلوانوف الجمعة بان "المفاوضات انتهت". واوضح سيلوانوف ان "مقترحهم كان كالتالي: انشاء شركة عامة تضم موجودات حقول الغاز واقتراح مساهمة المستثمرين الروس فيها". واضاف "مستثمرونا درسوا هذه المقترحات ولم يبدوا اهتماما بها". وتملك قبرص احتياطات كبيرة من الغاز قبالة سواحلها الجنوبية، لكن حجمها غير مثبت وهي موضع نزاع مع تركيا التي تحتل الشطر الشمالي للجزيرة. واضاف الوزير الروسي "اقترحوا علينا كذلك المشاركة في (راسمال) البنوك. ولكن لم تبد اي من مؤسسات الائتمان لدينا اهتماما". لكن رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف اعلن من جهته الجمعة ان روسيا لم تغلق الباب امام تقديم مساعدة اضافية لجمهورية قبرص، غير ان موسكو تريد ان تتوصل سلطاتها اولا الى الاتفاق مع بروكسل بشأن خطة مالية لانقاذها من الافلاس. وقال مدفيديف بعد مباحثات مع رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو الموجود في موسكو "لم نغلق الباب (...) ولكن هذا سيحدث فقط بعد وضغ خطة انقاذ نهائية جمهورية قبرص من الدول الاوروبية". وعلى صعيد الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو اللذين تنتمي اليهما جمهورية قبرص منذ 2004 و2008 على التوالي، فان مستوى التوتر يرتفع، وخصوصا في برلين، بينما المهلة التي حددها البنك المركزي الاوروبي لوقف ضخ السيولة الى المصارف القبرصية تنتهي الاثنين. ومساء الجمعة اكدت مصادر متطابقة لوكالة فرانس برس ان وزراء مالية دول منطقة اليورو سيجتمعون مساء الاحد في بروكسل بهدف التوصل الى حل للازمة. وقال مصدران "سيكون الاجتماع بحضور" الوزراء انفسهم و"سيبدأ في الساعة 17,00 (16,00 تغ) الاحد" وهو ما اكده مصدر ثالث اوضح ان الاجتماع "تم تحديده نهائيا ليوم الاحد". ومساء الجمعة ايضا اعلن قادة الاتحاد الاوروبي ان قمة الاتحاد واليابان التي كانت مقررة الاسبوع المقبل ومخصصة لاطلاق مفاوضات هامة حول اتفاق للتبادل الحر، تم تأجيلها الى اجل غير مسمى بسبب الازمة في جمهورية قبرص. وكانت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل حذرت صباحا نيقوسيا من انه ينبغي "عدم استغلال صبر الشركاء في منطقة اليورو"، بحسب تصريحات اوردها نواب من ائتلافها الحكومي تحدثت اليهم اثناء اجتماعات بعيدة عن الصحافيين. واعتبرت المستشارة الالمانية ان مشروع صندوق استثمار اعلنت قبرص تاسيسه لا يفي بالشروط التي وضعها شركاء جمهورية قبرص، بحسب هؤلاء النواب. ومع الاعراب عن "قلقه الشديد" من الوضع، قال وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي في مقابلة ان "القواعد التي حددناها للرد على الازمة في السنتين الماضيتين (يجب) ان يتم احترامها". وقال "هذا يعني اننا على استعداد للتضامن، لكن في المقابل ينبغي ان تكون الدول التي تطلب تضامننا، على استعداد للقيام بواجباتها". ويرفض الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي اقراض نيقوسيا اكثر من عشرة مليارات يورو لانهما يتمكسان في ان لا يتعدى حجم الدين نسبة 100 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي القبرصي في 2020. وهناك مصرفان قبرصيان هما "لايكي بنك" و"بنك قبرص" مهددان بالافلاس فورا اذا لم يتم التوصل الى اي اتفاق من الان حتى الاثنين. والبنوك مقفلة في الجزيرة منذ السبت الماضي ولن تفتح ابوابها مجددا قبل الثلاثاء المقبل بسبب الخشية من هروب كثيف للرساميل. وكان البرلمان القبرصي رفض الثلاثاء خطة اولى تنص على فرض ضريبة على الودائع المصرفية في البنوك القبرصية، وتستهدف الموجودات الروسية خصوصا. ودعا "بنك قبرص" الجمعة البرلمان الى التصويت لصالح ضريبة على الودائع المصرفية التي تفوق 100 الف يورو في غياب "بديل فوري اخر" لتفادي افلاس القطاع المصرفي والاقتصاد. وقد تقفل محطات توزيع الوقود ايضا لانه لم يعد لدى مالكيها السيولة اللازمة لملء خزانات محطاتهم، كما اعلن مدير جمعية مالكي محطات الوقود ستيفانوس ستيفانو لوكالة الانباء القبرصية. وفي تداعيات الازمة خفضت وكالة التصنيف الائتماني موديز الجمعة تصنيف ثلاثة مصارف قبرصية كبرى ومصرف تابع لمجموعة "في تي بي" الروسية، معللة ذلك بوجود مخاطر مرتبطة بالاجراءات الجديدة الخاصة بالودائع عند اعادة فتح المصارف والخسائر بالنسبة للمودعين. اما اليورو فقد تحسن امام الدولار بفضل تزايد الامال في التوصل الى حل للازمة في قبرص.