تنتخب كاتالونيا مدفوعة بحمى انفصالية، الاحد برلمانها الجديد في تحد للحكومة الاسبانية قد يؤدي بهذا الاقليم القوي الواقع في شمال شرق اسبانيا الى استفتاء حول تقرير مصيره. وفي شوارع برشلونة علقت على بعض الشرفات اعلام كاتالونيا بخطوطها الحمراء والصفراء وعلم الانفصاليين الازرق الذي تتوسطه نجمة بيضاء. وقال الزعيم القومي ارتور ماس وهو يدلي بصوته "انها الانتخابات الاكثر حسما في تاريخ كاتالونيا والتي نقوم فيها كلنا بدور بلد وشعب". وكان ماس، الذي بايعته تظاهرة ضخمة نظمت في 11 ايلول/سبتمبر في شوارع برشلونة رددت فيها شعارات "الاستقلال"، وعد الكاتالانيين السبعة ملايين ونصف بتنظيم استفتاء حول مستقبل الاقليم بعد اربع سنوات اذا فاز بالانتخابات. وبلغت نسبة المشاركة في منتصف النهار 29,35% مقابل 24,79% في الساعة نفسها خلال الانتخابات السابقة التي جرت عام 2010. وقالت كارمي يوستوسييا (60 سنة) وهي سكرتيرة عاطلة عن العمل اتت تقترع في جامعة بومبيو في برشلونة "نحن في منعطف، اذا فازت اغلبية من الانفصاليين بالانتخابات فانها ستكون بداية مرحلة جديدة". واضافت الناخبة وهي من انصار ائتلاف كونفرجنسيا اي يونيو (وفاق واتحاد) الذي يرأسه ماس "حتى الان كانت المشاعر القومية لدى اقلية لكنها تنامت مع الازمة". في المقابل يقول اندرو كامبروبي وهو باحث اجتماعي في السابعة والعشرين "اعتقد ان الحملة تركزت كثيرا على التجاذب بين كاتالونيا واسبانيا وكان علينا التحدث اكثر عن مواضيع اخرى مثل الازمة". وقال هذا الناخب المنتمي الى الحزب اليساري الاستقلالي "مع مسالة الاستقلال هذه عملنا بحيث ان الكثير من الناس الذين يعانون من الاستقطاعات المالية لم يعودوا يفكروا فيها". وامام رفض مدريد منح كاتالونيا استقلال الميزانية الذي تطالب به، راهن ارتور ماس (56 سنة) رئيس هذه المنطقة التي تتمتع بهوية ثقافية ولغوية راسخة، صراحة على المواجهة بتنظيمه هذه الانتخابات المبكرة قبل سنتين من موعدها الاصلي. وقال ان هدفه هو الفوز باغلبية مطلقة والمضي قدما نحو "دولة ذات سيادة". وهي لعبة تنطوي على مخاطر اذ ان اخر استطلاعات الرأي توقعت ان تفوز "سي.اي.يو" فقط باغلبية نسبية من المقاعد ال135 في البرلمان الاقليمي، تعادل تقريبا الاغلبية الحالية وهي 62 نائبا. وقال ماس الجمعة لدى اختتام الحملة الانتخابية "اننا لسنا عبيد الدولة الاسبانية" داعيا الكاتالانيين الى بناء "مستقبل دولتهم". وفي الطرف المقابل وجدت الحكومة الاسبانية المحافظة المنشغلة اصلا بمعالجة الازمة الاقتصادية، نفسها تواجه تحديا كبيرا وقد تشهد تداعي نموذج نظام الحكم الذاتي الاقليمي الذي يعتبر من ركائز دستور 1978، رغم ان احتمال استقلال الاقليم يظل بعيدا. وقد استعاد الكاتالونيون تحديدا خلال المرحلة الانتقالية الديموقراطية الحق في التكلم بلغتهم بحرية بعد ان كان ذلك محظورا خلال دكتاتورية الجنرال فرانكو (1939-1975). وفي حين يتجنب ارتور ماس القومي اليميني المعتدل، بذكاء النطق بعبارة "الاستقلال" يدافع في الواقع عن "دولة ذات سيادة" مؤكدا انها ستكون قابلة للحياة اقتصاديا و"السابعة في الاتحاد الاوروبي" من حيث مستوى دخل الفرد الواحد. ويثير ذلك انزعاج اوساط رجال الاعمال الذين يخشون من دولة قد تجد نفسها خارج الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو بينما يمثل الاقليم خمس اجمالي الناتج الداخلي في اسبانيا. وتصاعد الاحباط منذ سنتين في كاتالونيا عقب قرار المحكمة الدستورية الاسبانية الخفض من وضع الحكم الذاتي الموسع العائد الى 2006، شاطبا البند الذي يعرف بها على انها "امة". وفي مجال الهوية وهو حساس جدا في هذه المنطقة، اججت الازمة الاقتصادية الشعور بالاحباط في كاتالونيا التي تعاني من الاقتطاعات في الميزانية وتتهم الدولة المركزية بجرها نحو هوة مالية وتؤكد انها تعاني من عجز ضريبي قدره 16 مليار يورو في السنة وهو ما تنفيه مدريد. ويطالب الاقليم الذي اصبح اليوم الاكثر مديونية في اسبانيا "باتفاق ضريبي" يناهض الذي تستفيد منه منطقتا الباسك ونافارا ومن شانه ان يسمح لها بجباية ضرائبها بنفسها والغاء انعدام المساواة الذي تعاني منه. غير ان نوايا ارتور ماس تظل غامضة لا سيما ان استطلاع اجرته صحيفة الباييس مؤخرا افاد ان 46 بالمئة من الكاتالانيين فقط يوافقون على الاستقلال اذا طرح عليهم السؤال. ويرى استاذ العلوم السياسية في جامعة برشلونة جواكين مولينس ان رئيس الاقليم لن يذهب حتى النهاية مؤكدا ان "ما يبدو منطقيا هو ان تجري مفاوضات حول الاتفاق الضريبي وان كل ذلك عبارة عن استراتيجية يقوم بها كل طرف للتموضع في موقع قوة".