قال صندوق النقد الدولي إن العام 2012 يشكل آفاقاً إيجابية للاقتصاد القطري، مشيداً في الوقت نفسه بالدور الذي تقوم به الدولة من أجل تحسين مستويات المعيشة، من خلال تنفيذ برنامج كبير للإنفاق العام من أجل الحفاظ على قوة النمو في القطاع غير الهيدروكربوني على المدى المتوسط، فيما يظل التضخم الكلي مكبوحاً. وأشار صندوق النقد، في تقريره عن نتائج مشاورات المادة الرابعة الخاصة بقطر للعام 2011، إلى أن الدولة تستخدم الحيز المتاح من المالية العامة، والذي تولد من زيادة إنتاج الهيدروكربونات لتحقيق هذا الهدف، مشيداً بالإجراءات الحكومية في تعزيز الاستقرار المالي وإدارة السيولة. وقال التقرير إن الاستثمارات الكبيرة في مشاريع البنية التحتية وزيادة إنتاج قطاع الصناعات التحويلية ستدفع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من غير الهيدروكربونات ليزداد ويصل نحو 9 بالمئة في 2011، فيما سيواصل نموه بين 9 و10 بالمئة بعد العام 2011. وتوقع التقرير أن تزيد سرعة نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من 17 بالمئة عام 2010 إلى 19 بالمئة عام 2011، مشيراً في هذا السياق إلى أن نمو قطاع الهيدروكربونات سيصل إلى مستوى ذروته في 2011، مدفوعاً بارتفاع الطاقة الإنتاجية لدولة قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى 77 مليون طن سنوياً، في المقابل فإن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من الهيدروكربونات سيتباطأ في 2012 إلى أقل من 3 بالمئة، بسبب قرار قطر تعليق مشاريع الهيدروكربون الجديدة حتى العام 2015. وتوقع تقرير صندوق النقد عن نتائج مشاورات المادة الرابعة الخاصة في قطر للعام 2011 أن يسجل فائض الميزان الخارجي لقطر في العام 2012 فائضاً يقدر ب47 مليار دولار، قائلاً إن الإعلان اللاحق لميزانية 2011/2012 سيشير إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي بنحو 1.6 مليار دولار، نتيجة زيادة الرواتب ومعاشات التقاعد، موضحاً أنه على الرغم من هذه الزيادة، فإن الميزانية ستحقق فائضاً يتجاوز 7 بالمئة عن الفترة نفسها. وأكد تقرير صندوق النقد الدولي أن الآفاق المتوقعة لدولة قطر ما تزال إيجابية على المدى المتوسط، نظراً لربط معظم صادرات قطر في الأجل المتوسط بعقود طويلة الآجل، متوقعاً استمرار تسجيل فوائض في أرصدة المالية العامة والحساب الجاري، نظراً لتوقعات الارتفاع المستمر في أسعار الهيدروكربون. وفي ما يتعلق بالتضخم، أوضح التقرير أنه من المتوقع أن يتراوح بين 4 و5 بالمئة على المدى المتوسط، مع زيادة الاستقرار في مستوى الإيجارات نتيجة التراجع التدريجي في حجم الطاقة الحالية الفائضة في القطاع العقاري، ودخول الاستثمارات الكبيرة في القطاعات المختلفة حيز التنفيذ، وهو ما يعني حدوث زيادة على الطلب العقاري. وأشار إلى أنه على الرغم من الانكماش بمتوسط نحو 2.5 بالمئة في العام 2010، إلا أن معدل التضخم سيسجل 2 بالمائة عام 2011، نظراً للارتفاعات التي شهدتها أسعار البترول المحلية والآثار الناتجة عن أسعار الغذاء العالمية، والتي عوضت التضخم السالب في الإيجارات وتجاوزاته. وأشاد التقرير بالإجراءات التي اتخذها مصرف قطر المركزي منذ النصف الثاني من العام 2010 بهدف تعزيز الاستقرار المالي وإدارة السيولة، وتمكن المصرف من إبعاد المضاربة قصيرة الأجل من خلال تدابير عدة. ونوه تقرير صندوق النقد الدولي بالأرباح التي حققها القطاع المصرفي القطري، قائلاً إن هذا القطاع يتمتع بمستوى جيد من الرسملة وما يزال يتسم بالربحية والقوة، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 22.3 بالمئة، فيما بلغ متوسط العائد على الأصول 2.7 بالمئة، في حين بلغت نسبة القروض المتعثرة 2.3 بالمئة بنهاية يونيو 2011. وأوضح صندوق النقد في السياق ذاته أن الشركات غير المالية مرت هي الأخرى بمرحلة توسعية بلغت خلالها أرباحها المستويات التي كانت سائدة قبل الأزمة المالية، كما تتمتع بوفرة في مستويات السيولة النقدية، فيما ما تزال أوضاع التمويل ميسرة، بينما معدلات التوقف عند السداد لديها منخفضة. وقلل التقرير من مخاطر انخفاض أسعار النفط والغاز نتيجة لتراجع الطلب العالمي وانقطاع نقل الغاز الطبيعي المسال بسبب زيادة التوترات الجغرافية - السياسية في حال حدوثها على قطر، نظراً لما تتمتع به الحكومة من هوامش مالية وقائية كافية، ولما لديها من إطار للسياسات من شأنه تخفيف حدة تلك المخاطر المحتملة. واستبعد صندوق النقد تأثر البنوك المحلية من تقلص السيولة العالمية بسبب أزمة الديون السيادية التي ضربت عدداً من دول العالم، خصوصاً المنطقة الأوروبية، بعد ثلاث جولات من الرسملة وإعادة هيكلة الأصول التي اتخذت تجاه السوق المصرفي المحلي منذ العام 2008. وطالب التقرير الحكومة القطرية بالتوجه لزيادة الادخار، نظراً لهدف السلطات المتمثل في التمويل الكامل للميزانية بدءاً من العام 2020 من إيراداتها من القطاعات غير الهيدروكربونية، ودخلها من العائد على الاستثمار، وبناء حواجز للوقاية من الصدمات. ودعا تقرير صندوق النقد الحكومة القطرية لتوخي الحرص في مراقبة الطلب الكلي لدرء مخاطر التضخم، مع استمرار سياستها المالية العامة في الحفاظ على التوازن الدقيق بين الإنفاق على البنية التحتية لمواصلة النمو غير التضخمي وادخار الفوائض الهيدروكربونية واستثمارها في الخارج، من أجل توليد دخل كافٍ لتمويل الميزانيات في المستقبل. وأفاد صندوق النقد بأن الطلب المحلي على الائتمان سيتزايد نتيجة للنمو المتواصل في القطاع غير النفطي وتنفيذ المشاريع المرتبطة بالبنية التحتية، موضحاً أن أبرز التحديات الرئيسة أمام السياسة النقدية في قطر تتمثل في دعم نمو الائتمان دون زيادة الضغوط التضخمية أو التدفقات الرأسمالية الداخلة قصيرة الأجل. وقال التقرير إن تعليق دولة قطر لإنتاج الغاز الطبيعي المسال يتيح الفرصة أمام السلطات للتركيز على وضع الأسس لمسار تحقيق نمو اقتصاد أكثر تنوعاً، من خلال إصلاحات تجمع بين سياسة المالية العامة، وتنمية القطاع المالي، وبناء المؤسسات والحوكمة، موضحاً أن الرؤية الوطنية الشاملة لقطر اشتملت تلك الجوانب، بهدف تنويع مدخولاتها من القطاعات الاقتصادية غير الهيدروكربونية، وهو ما سيعزز من قدرتها التنافسية، ويحد من تعرضها لمخاطر تقلبات أسعار الهيدروكربونات. وأثنى التقرير على سعر صرف الريال القطري الحالي، قائلاً إنه يتسق لحد كبير مع أساسيات الاقتصاد، وإن نظام ربط العملة المحلية بالدولار الأمريكي يشكل ركيزة فعالة لتحقيق هذا الأمر، خصوصاً مع توافر المتطلبات الأساسية لدولة قطر لاستمرار نظام الربط، والمتمثلة في قوة مركزها المالي وسلامة الجهاز المصرفي ومرونة أسواق العامل ورأس المال. المصدر : جريدة الرؤية الاقتصادية الاماراتية