يخشى أفغان مصالحة محتملة بين حكومة الرئيس حامد كرزاي، المدعومة من الولاياتالمتحدة، وحركة «طالبان» المسلحة. ويقول مراقبون ان هذه المصالحة من شأنها أن ترغم السلطة على تنازلات كثيرة، وأن تؤدي إلى تقويض الحريات وحقوق المواطنين الأفغان، فضلا عن استهداف المرأة ومنعها من ممارسة حياتها الطبيعية وحصولها على التعليم، كما تخشى الأقليات العرقية والدينية التعرض للقمع وسوء المعاملة. وتقول الموظفة الحكومية، مريم هاشمي (49 عاما)، «إنهم لا يتغيرون، إذا عادت (طالبان) إلى السلطة فستعود أفغانستان إلى ما كانت عليه، عندما لم يكن باستطاعة المرأة أن تعمل أو حتى مغادرة منزلها». مضيفة «لم يكن بإمكان المرأة في عهد (طالبان) تخيل مكان مثل هذا (مشيرة إلى مقر عملها الحالي) تعمل فيه بحرية»، وتتذكر هاشمي أيام حكم «طالبان» حيث كانت المرأة تعاقب بالجلد لمجرد ظهور جزء من ذراعها. وفي الوقت الذي تحاول حكومة كرزاي بدعم من الغرب، إطلاق جولة مفاوضات مع «طالبان»، من أجل وصول إلى اتفاق ينهي العنف الداخلي، يقوم تحالف هزيل، مكون من ناشطات في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وأكاديميين وخصوم سياسيين، بحملة مضادة للمفاوضات. ويعتقد معظم الأفغان أن المفاوضات وحدها يمكن أن تنهي الصراع الطويل على السلطة. وفي المقابل يخشى آخرون ثمن الصفقة التي قد تبرمها الحكومة مع المسلحين، إذ يرى مراقبون للشأن الأفغاني أن المستفيد سيكون «طالبان»، ما قد يمهد الطريق أمام الحركة للعودة إلى الساحة بقوة. وفي ذلك يقول المحلل السياسي، سنجر سهيل، إن «المشكلة تكمن في الوسائل والطريقة التي ستختارها الحكومة للدخول في المفاوضات». موضحا «هناك طرق أخرى للحصول على نتائج أفضل». جعل كرزاي المصالحة الوطنية على رأس أولوياته أثناء ولايته الثانية، إلا أنه أكد مرارا بالتناغم مع البيت الأبيض، أن المصالحة لن تتحقق إلا بقبول «طالبان» بشروط محددة، بما في ذلك التخلي عن العنف، وقطع الصلة بتنظيم «القاعدة» والالتزام بالدستور الأفغاني. وفي هذه الأثناء باتت شريحة واسعة من الأفغان يعتقدون أن كرزاي سيقدم ثمنا باهظا مقابل إرضاء المسلحين، وسيفعل كل شيء من أجل إقناعهم بالجلوس حول طاولة المفاوضات، وأصبح يخاطبهم بلهجة غريبة في الآونة الأخيرة تثير الشكوك ووصفهم ب«أعزائي وإخواني». ومع تراجع الدعم للحرب على أفغانستان، يتزايد الضغط على الإدارة الأميركية من أجل إيجاد مخرج للمشكلة الأفغانية، التي دامت 10 سنوات، ولا تبدو لها نهاية، وكان تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في فبراير الماضي تحولا لافتا في السياسة الأميركية، إذ قالت ان التزام «طالبان» بالشروط التي وضعها كرزاي، لم تعد مطلوبة للبدء في المفاوضات، ودعت إلى التركيز على نتائج المفاوضات. يلعب العامل العرقي دورا أساسيا في الصراع الأفغاني، فحركة «طالبان» تتكون من البشتون. في حين يعارض الطاجيك، الذين يمثلون 27٪ من مجموع السكان، خطوة الحكومة الرامية إلى إنهاء الصراع. يذكر أن المسلحين الطاجيك كان لهم الفضل في إسقاط حركة «طالبان» بمساعدة الأميركيين. وما زاد من حدة التوتر بين أطياف الشعب الأفغاني، استهداف مسلحي الحركة شخصيات بارزة في التكتلات العرقية والحزبية المناوئة ل«طالبان». ففي نهاية مايو الماضي، اغتال عناصر الحركة القائد العسكري الطاجيكي محمد داوود، الذي كان قائدا جهويا للشرطة في الشمال. وحذر زعماء من الطاجيك من أن التسوية قد تضر بمبادئ التعددية في البلاد. ومن بين المنتقدين للحكومة، في هذا الشأن، وزير الخارجية السابق ومنافس كرزاي في انتخابات العام الماضي، عبدالله عبدالله، الذي دعا في مناسبات عدة إلى الحيطة والحذر أثناء التعامل مع «طالبان». ويعد عمرالله صالح، الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات، أحد ألد خصوم كرزاي حاليا، وقد تمت إقالته بعد الكشف عن المحادثات السرية مع المسلحين. في المقابل، على واشنطن أن توازن بين رغبتها في المصالحة التي قد تنهي الحرب وتزيح عبئا كبيرا عن كاهلها، والحفاظ على صورتها أمام الأفغان، والتزاماتها إزاء حقوق المرأة الأفغانية والأقليات. ويذكر أن «طالبان» ترفض مبدأ المفاوضات مع الحكومة، على الرغم من اتصالات سرية قام بها مسؤولون غربيون بزعماء في الحركة، خلال الأشهر الماضية. وتقول أوساط أفغانية أنها على علم بالضغوط التي تواجهها الحكومات الغربية بسبب إطالة أمد الحرب، إلا أنها تؤكد أن أي تسوية في الوقت الحالي ستكون في مصلحة «طالبان». وتعتزم واشنطن البدء في سحب قواتها بحلول يوليو المقبل في الوقت الذي تمضي الوحدات الكندية آخر أيامها في أفغانستان، ويأتي ذلك وسط ارتياب متزايد من طرف أعضاء في التحالف العسكري إزاء المهمة خصوصا بعد مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. يقول الخبير القانوني، أحمد شاه بهزاد «في حال انسحبت القوات الأجنبية من البلاد دون تحقيق تغيير إيجابي، فإننا سنواجه نتيجتين حتميتين». موضحا أولا، ستندلع حربا أهلية تؤدي إلى فقدان الاستقرار الأمني تماما، والثانية تكمن في عودة «طالبان» إلى الحكم. وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي ومدير تحرير «كابول ويكلي»، فهيم دشتي، «تدرك حركة (طالبان) أنها إذا دخلت المفاوضات من موضع قوة فإنها ستحصل على ما تريد». مضيفا «وهم يريدن الحكم».