بخفةٍ يتسلل إلى داخل الغرفة، يغلق الباب سريعاً ويتجمد في مكانه لحظاتٍ، كانت له دهوراً؛ حتى يطمئن أن لا أحد انتبه إلى صرير الباب العتيق، يضم يديه إلى صدره علّ ارتعاده يتوقف، ويغمض عينيه محاولاً إبطاء أنفاسه، لو أمسكوه هنا باتت النهاية، يفتح عينيه ليرى وجهه ينظر إليه، ذقنٌ من فضة، وعينان من ليلةٍ بلا قمر، وفمٌ مزمومٌ في حزم، يقول زملاؤه إن الصرامة تشع من ثنايا الوجه، لكنه لا يرى إلا نظرة عطف عليه في العينين، فنانٌ بارعٌ من صور الوجه على قطعة القماش. هكذا آخذاً لمحةً من روح صاحبها، أعظم ملوك البلاد في تاريخها قاطبة، يشرد في صوت جد أبيه في جلسته أمام النار في سني طفولته، والجد يحكي عن يوم اجتمع أعيان البلاد عندما أعلن صاحب الصورة العظيم أنه من نسل آخر ملوك البلاد، كيف أثبت هذا بالسيف المتوارث في عائلته عن الملك القديم، حين رأى الأعيان النقوش على نصل السيف تحكي قصته، خرجوا للناس يعلنونه ملكاً، فوحد البلاد وهزم كل من عاداها، وكيف لم يخرج السيف من غمده قط، هكذا نصح أحد الخلصاء، ألا يسّل السيف إلا إذا انكسرت الصفوف، ولم تهتز صفوف جيشه يوماً. يتذكر الفتى عض الجد على شفتيه حسرةً على أيام كان جندياً شاباً في ذاك الجيش، وكيف رأى السيف عن قرب، وإذ تنزل عينا الفتى عن الصورة يرى السيف، غمدٌ مطرزٌ بخيوط الذهب، ومقبضٌ يزينه مائة حجر من أكرم حجارة الأرض، نفس ما رأى جده، يخطو إلى السيف غير مدرك لذلك، يتذكر يوم دخل في خدمة الملك الحالي، الإهانات من كل من هو أعلى منه مقاما في القصر، ترتعش يداه وهما تمتدان إلى السيف، ينزله من على الحائط، أخيراً سيراه وبعد ذلك لا يهم إن أمسكوه في الغرفة المحرم دخولها وحيداً، يغمض عينيه اتقاء للوهج الذي قالوا إنه كألف قمر، وإذ يفتح عينيه لا يراه، فكيف يرى وهجاً والخشب لا يتوهج إلا بالنار. يسقط على الأرض، مرتطماً بطاولةٍ صغيرة مسقطاً ما عليها، ثوانٍ ويجتمع البعض، يدور هرجٌ ومرج، السيف خشب، تتناقل الألسن الكلمة كجمرةٍ يلقونها للبعض، يشير أحدهم إليه صائحاً هو أحاله خشباً ، لابد أنه جاسوسٌ ساحر، فعلها لكي يلعن حكم مولانا، يثور الجمع وينقضون عليه، وبينما تنهال عليه الضربات، لا يرى هو غير النصل، حلم حياته كان أن يرى النصل، يتلمس النقوش، لأجل هذا ترك أرض أبيه، وقريته، لأجل سيفٍ من خشب، وإذ يفقد آخر قطرات وعيه، ترتفع عيناه إلى الصورة، ولأول مرة يرى فيها تلك القسوة التي تحدثوا عنها كثيرا. كلمتنا – أغسطس 2009