هدوء تام...تغلفه تلك الموسيقى الهادئة التي دائما ما يضعوها جانبه حتى تسليه قليلا نظر بهدوء لتلك الصورة المتربة...التي لا تحمل ألوانها الا الأبيض و الأسود...وابتسم في حنان...وأشرق وجهه ثوان...ثم لم تلبث ان خبت الحياة ثانية كما ظهرت نظر أمامه لتلك الحديقة الواسعة....التي اختاروا غرفته خصيصا من أجلها...كي يجلس على ذلك الكرسي المتحرك طوال النهار وينظر لها...يرى ذلك الهواء الذي يمر بين شجيراتها فيحركها بهدوء جميل أخذ يفعل ما يفعله دوما...يعد سنين عمره في صبر..."واحد"...اثنان"...ثلاث"....ويكمل حتى يصل ل..."ثمانين عاما"....ولا يعرف كم أتم بعدها...أختبار أوصوه به حتى يختبر ذاكرته...وكان دائما ما يقف عند الثمانين..لانه لم يهتم بأي سنة أتمها بعدها نظر ثانية للصورة المتربة...صورته هو وزوجته في شاطئ العجمي...كان الصلع قد بدأ يغزو مقدمة رأسه..وهي ترتدي جلباب التصق بقدمها...لأنها في ذلك اليوم قررت ان تشعر بالبحر...فذهبت في خجل رغم خوفها القاتل منه لتبل قدمها...وعندما غمر الموج الحاني قدمها...شعرت بتلك النشوة...بتلك الجرأة...فأكملت دخولها في البحر...وهي تمسك يده و تضحك في سعادة شديدة تعجب انه بعد كل هذا العمر.. يتذكر تلك اللحظة البسيطة...على انها أجمل احساس شعره في حياته...با على أنها الحياة كلها...وهي تنظر له ضاحكة..مستندة عليه...يضرب الهواء بشعرها...ولا يوجد سواهم في العالم بأجمعه رحمها الله نظر بعينه الي تلك العصا الطويلة...التي كان يتكئ عليها عندما تقدم به العمر...ثم تركها عندما ضعفت قدماه وأصبح ذلك الكرسي "أسهل" و أكثر أمانا مد يده بحركته البطيئة وأمسك بالعصا...وتأملها لحظات طالت..ثم تألقت عيناه ببريق خبا منها منذ سنين طوال غرز العصا في الأرض....وضع الكابح على عجلة الكرسي....و بكلتا يديه استند على العصا...وحاول ان يشعر بتلك الحياة الضعيفة في قدمه...وبدأ أن يحاول...ويحاول..لكن ما أن يبدأ جسده بالنهوض حتى تخذله قدميه..فلا يستطع بدأ العرق يغزو جبهته...لكنه ابتسم...وضغط على العصا أكثر وأكثر و... ونهض لم يصدق نفسه...وحاولت قدمه أن تخذله ثانية ولكنه لم يسمح لها...سمع في عقله صدى ضحكة زوجته...ورأى أمامه البحر...ووجدها جانبه تضحك في فخر...وتمسك بيده كي لا يقع ثانية تحركت عصاه تاركه تلك الدائرة العميقة التي تركتها في "سجادة" الغرفة الكبيرة...لتنغرز ثانية...وبدأت قدمه في التحرك ليخطو خطوة....ثم الثانية...وقد شعر ببرودة مياة البحر تغمر قدمه....وزوجته الهواء يضرب شعرها وتضحك تلك الضحكة السعيدة ولم تقدر قدماه على حمله أكثر من هذا...فتهاوى على الفراش...مغمورا في عرقه...لكن ابتسامة سعادة تملأ شفتيه ونظر بعينه لتلك الدائرتين التي تركتهم عصاه على السجادة على الدليل انه شعر بالحياه كلها ولو في خطوتين فقط ======================================