- والمصريون يتخبطون في ظلمات غموض مشهد للحكم أصبح أقرب إلى المسرح العبثي.. ولا يجدون من واحد في المشهد شجاعة وواجب الإجابة الصادقة والأمينة عما يحدث في بلدهم.. ولا يعرفون لماذا يلتزم المجلس العسكري الصمت أمام الفوضى المخططة التي تتصاعد دون مواجهات جادة وحاسمة! لماذا يبدو المشهد كأن البؤر الصديدية لتكاثر جراثيم العنف والفوضى توضع تحت الرعاية والحماية حتى تحقق أهدافا مرجوة، ومنتظره بينما تتواصل ادعاءات الانشغال بنتائج ملهاة وتوابع الاستفتاء على دستور سقط بسقوط النظام، وتشكل أحزاب فرقها لكرة القدم، بعد أن اطمأنت لأنصبتها في كعكة الحكم بينما يروع المصريين نفس الاستعلاء والاستكبار الذي مارسه النظام الذي أسقطت الثورة بعض رموزه وخطوطه الأمامية فقط التي تبدو كأنها نقط غيرت مواقعها وتركت واجهة المشهد لتديره من خطوط خلفية، بينما الخطوط الثالثة والرابعة والخامسة تعمل بنذالة نادرة.. والوقائع الدامغة تفقأ عيون المصريين وعيون الحقيقة كأنها تواصل جرائم قتل وفقء عيون الثوار ما لم يتم القصاص من قاتل واحد.. لم يعد لدى المصريين شك في تكبيل أحكام القضاء أو الضغط عليها كما الضغط على رئيس الوزراء لعدم تغيير وزراء صناعة النظام الذي أسقطته الثورة -كما كانت المحاولات الفاشلة لمنع القضاء من إصدار أحكامه بحل المجالس المحلية- معاقل وأوتاد النظام والفساد والإفساد في جميع محافظات مصر، ومحاولات مستميتة لنفهم ونصدق أن جيش وشرطة مصر عاجزان أمام ميليشيات البلطجة.. في حوار مع أحد القيادات الأمنية التي لم تكن ضالعة في منظومة إفساد وسرطنة الشرطة أن لدى أجهزة الأمن أرشيفا مسجلا به 99٪ إن لم يكن 100٪ من أسماء عناصر ومكونات هذه الميليشيات الذين صنعهم الحزب لزوم ما يحتاج إليه من خدمات انتخابية أو ضرب وترويع للمعارضين أو من صدرت ضدهم أحكام أو محرضون.. ما معنى أن الشرطة العسكرية تواصل صد المحاولات المثالية لاقتحام وزارة الداخلية؟ هل ممنوع إلقاء القبض عليهم، أم لهم دور في الفوضى المخططة لإسقاط الثورة؟ - يدفع المشهد إلى البحث عن كل ما يفسر اللا مبالاة بتصاعد الفوضى ومحاولات اغتيال الثورة.. يعرف المصريون أن بعض قيادات الجيش كانت جزءا من النظام الذي أسقطته الثورة، وأن مخططات الإفساد والفساد حاولوا أن يخترقوا بها ويروضوا هذه المؤسسة الوطنية، وإن كانت الجموع الأكبر من أبنائها لم تتلوث أو تفقد بوصلتها الوطنية، وإن سلام الشهيد الذي رفعه المجلس العسكري في أول بياناته كان قسما على الانحياز للشعب وإدانة للنظام ولمنظومة الفساد والإفساد والاستبداد.. هل يكفي سلام الشهيد دون ثأر وقصاص لدم الشهيد ولدماء المصريين ولكرامتهم وآدميتهم ولأبسط حقوقهم في الحياة ولأكثر من ثلاثين عاما خصمت من أعمارهم ومن حاضرهم ومستقبلهم، وادعاء الالتفات لتأسيس نظام ديمقراطي بينما كل ما يحدث على الأرض يكذب ويفوض ضمانات إقامة هذا النظام، بل يهدم الثورة من أساسها. - كيف يترك من أسقطت الثورة مصالحهم السرطانية يديرون الثورة؟ هل بين يوم وليلة ستنبت لهم أجنحة الملائكة ويستردون الضمائر الضائعة ويتحولون إلى أمناء عليها سواء من ميليشيات الإدارة وميليشيات الإعلام ممن ظلوا يكتبون ويصرخون ويهتفون عبر وسائل الإعلام طوال أيام الثورة.. إن مصر ليست ولن تكون مثل تونس أبدا، وإن نظام مبارك راسخ وقوي وإن من يقفون في التحرير عملاء ومأجوريون ومخدوعون ومضللون، وإن حزب الله وإيران والأجندات الأجنبية انكشفت في الميدان؟ هؤلاء الآن تحولوا إلى أبطال ومناضلين ويحتضنون الثوار.. بقبلات الأفاعي والأحضان المسمومة والالتفاف والمخادعة، تدار محاولات إذابة الثورة باحتراف إجرامي نادر. في السادس من أكتوبر 2010 وفي ذكرى نصر 73 الذي حققه المقاتلون الأمناء والعظام من أبناء جيش مصر.. في هذا اليوم صدرت أوامر النظام الذي أسقطته الثورة بإنهاء وإغلاق آخر منافذ حرية الكلمة التي ظلت تقاوم هذا النظام ببسالة حتى النفس الأخير.. وإيقاف مسيرة كتاب «الدستور» الأصيل، وفي 25 يناير 2011 طرحت الأرض الزرع التي شاركت في زراعة الأقلام الأمنية والقوى الوطنية المخلصة والحركات الاحتجاجية للعمال والموظفين... وكان الحصاد نور ونار الثورة التي سرت في جميع أنحاء مصر وكلل الله معجزتها بالنصر وخرجت الملايين المقهورة وزحفت فسقط طاغوت فساد واستبداد أقسى نظام أمني في المنطقة، وتسقط ثلاثون عاما من تجريف جميع معاملات وعناصر قوة وطن، والتبعية للأمريكان والصهاينة.. بدا لي أنه سيتاح لنور الثورة والثوار أن يتقدم ويطهر الأرض التي عطنت ويتم تأمين جميع الطرق والسبل للبناء وإزاحة وشل الصفوف الثانية والثالثة والرابعة التي شاركت في صناعة المأساة، وسيكون الرادع والدرس في الحساب الرادع والعاجل للصفوف الأولى التي قادت صناعة المأساة.. وسيكون الوضوح والمصارحة واحترام المواطن وحقه في المعرفة والمشاركة وكل ما غاب عنه تحت الحكم الفاسد أساسا لإدارة وترشيد وتأمين الثورة وسيكون ترشيد القرار اعتمادا على الخيرات العظيمة التي تمتلئ بها مصر في جميع المجالات، وسيستكمل حكم القضاء المحترم بحل حزب الفساد والإفساد بالعزل السياسي.. سيكون توفير الأمان للمواطن قرارا حاكما.. ستشكل حكومة الثورة ومن خبرات جديدة تجدد دماء الإدارة في مصر وتستثمر الرصيد والثروات البشرية التي تم إقصاؤها وإبعادها.. فإذا بمشهد مأساوي يسوده صناع مأساة الأمس وتترك الفوضى المخططة تتصاعد كأنها مع سبق الإصرار.. لا أعرف من الذي يريدنا أن نصدق أن الشرطة العسكرية أو الجيش الذي لم يهزم أبدا.. ولا في ما ادعي وأطلق عليه هزيمة 67 وهو لم يدخل الحرب أصلا.. انهزم أمام حفنة من الخارجين على القانون أو البلطجية أو أن نصدق أنهم لا يريدون ضرب عناصر الفوضى كأنه قدر مقدر أن تنهزم الثورة أمامهم.. أين الحقيقة؟ ولماذا تغيب بينما يزداد المشهد السياسي اضطرابا.. ولا أريد أن أقول ظلما وإظلاما؟ فقد كتبتها كثيرا عن المشهد السياسي قبل الثورة.. ولكن كان الحلال بينا والحرام بينا.. أما الآن فأن لا تفهم وأن لا تعرف.. هل هذا المطلوب؟! لماذا يبدو الحرص على كرامة الفاسدين والمجرمين مصونة وممنوعة عن التصوير وعن استجلاء الحقيقية بينما كرامة الثورة والثوار ودماؤهم وحقوقهم وأمن جموع المصريين مهدد.. وفي مهب هجمات الفوضى والبلطجة وإشعال فتن الاستقطاب الديني والطائفي؟ والثورة تحتاج إلى ثورة لإنقاذها تأتى جمعة الثامن من يوليو الذي أن يجب أن يعيد فيه المصريون في جميع أنحاء مصر المشهد الجليل لأيام الثورة الأولى بنفس الروح والسمو والتلاحم والتأمين التي جمعت الكل في واحد طوال 18 يوماً ليثبت المصريون أن إرادة الشعوب التى هي من إرادة الله لن تهزم أبداً وأن الثورة لن تموت والجثة لن تخرج من القبر