الذى يحدث الآن هو ثالث حوار وطنى خلال نصف قرن.. الأول فى ربيع 1963 تحت شعار «تحالف قوى الشعب العامل» ونتج عنه «الميثاق الوطنى»، والثانى فى ربيع 1982 تحت شعار «الكفن مالوش جيوب لكن البدلة لها» ونتجت عنه «التوصيات الاقتصادية»، والثالث فى ربيع 2011 تحت شعار «الشعب والجيش إيد واحدة» وقد ينتج عنه بعض المصابين.. فى حوار الستينيات كنت فى العاشرة إلا الربع من عمرى عندما وقف الشيخ «عاشور»، شيخى وجارى وإمام مسجد أبوالعباس، وقال على الهواء: (عندما يحضر السياح لزيارتنا ينحنون لخلع الأحذية والعملية تبان) فرد «عبدالناصر» وقال: (أضحكتنا يا شيخ عاشور).. وبحثوا فى ملف الرجل فوجدوا أن شهادته العلمية لا تتناسب مع إمامة مسجد كبير كأبى العباس، فنقلوه كمقيم شعائر فى مسجد «تربانة» وكنا نسلم عليه فى الرايحة والجاية لنطمئن على العملية فيضحك.. وأيام «السادات» دخل البرلمان عن دائرتنا وكتبت الصحف عن عودة الشيخ «عاشور» من وراء الشمس، ثم اختلف مع «سيد مرعى» رئيس البرلمان وصهر السادات وراح يصرخ: (يسقط أنور السادات) فأسقطوه هو وكتبوا أنه كان يجلس فى الظل ولم يكن وراء الشمس ولا حاجة حتى اسألوا الشمس، لذلك تستطيع أن تقول إن الحوار الوطنى الأول نتج عنه الشيخ «عاشور»، لأنه كان أشهر من الميثاق الذى وزعوه على المدارس ليحفظه التلاميذ وتركوا لنا الشيخ «عاشور» لنسلم عليه فى الرايحة والجاية.. فى مؤتمر الحوار الوطنى الثانى كتبوا روشتة علاج أمراض مصر، ولأن كل مدعو كان يحمل «دكتوراة فى الاقتصاد»، بينما كان الداعى يحمل «دكتوراة فى العند»، لذلك طبعوا من هذه التوصيات آلاف النسخ ولم يحفظوها فى المدارس ولكن حفظوها فى المخازن لذلك تستطيع أن تقول إن الحوار الوطنى الثانى نتج عنه «أحمد عز» لأنه كان أكبر من «التوصيات الاقتصادية».. أما الحوار الوطنى الثالث فأنا متفائل به، ليس لأن المشاركين فى الحوار الوطنى هم نفس المشاركين فى الحوار الدستورى، وهم نفس المشاركين فى الحوار التليفزيونى دون مشاركة العمال والفلاحين والشباب، ولكن لأننى سمعت الدكتور «يحيى الجمل» وهو يقول: (هذا المبنى الذى نجتمع فيه للحوار فقير وسوف ننتقل فى الجلسة الثانية إلى مبنى آخر فيه ساندويتشات ومأكولات ومشروبات)، فهكذا تكون تغذية الحوار الوطنى.. نسيت أقول لحضرتك إننا كل يوم جمعة كنا فى مسجد أبى العباس نقرأ بردة البوصيرى التى تقول: (أعوذ بالله من قول بلا عمل/ لقد نسبت به نسلاً لذى عقم).
