بعد رحلة الانقسام التي مرت بها السودان في 9 يوليو الماضي والتي أسفرت عن استقلال دولة الجنوب , شبح الحرب الأهلية يطارد دولة الجنوب والتي تغرق في محاربة ما لا يقل عن 6 مجموعات متمردة . منذ فترة قصيرة نشر شريط فيديو يظهر مئات من المقاتليين الجنوبيين وهم يهرولون بشكل منظم في حلقة واسعة مشهرين قذائف الهاون والأسلحة الرشاشة وقذائف صاروخية وهو ما يمثل تهديدا كبيرا علي استقرار دولة الجنوب خاصة وأن معظم المتمردين كانوا ضباطا كبارا في جيش جنوب السودان ( الجيش الشعبي لتحرير السودان وهو الذراع العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في الجنوب ) أو قادة ميليشيات حاربوا إلي جانب القوات الحكومية خلال الحرب الأهلية التي امتدت ل 21 عاما والتي انتهت بتوقيع اتفاق السلام عام 2005 والذي مهد لاستقلال جنوب السودان . وصرح بيتر جاديت وهو أحد قادة المتمردين من "جيش تحرير جنوب السودان" إنه يحارب الفساد وتعثر جهود التنمية وسيطرة قبيلة الدينكا على مقاليد السلطة في جنوب السودان واحتكارها للمناصب الرئيسية في جيش جنوب السودان وفي حكومته , كما يستولي الجيش الشعبي لتحرير السودان على أكثر من ربع الميزانية المخصصة لجنوب السودان وهي أكبر بثلاث مرات من الموارد المالية المخصصة لقطاعي الصحة والتعليم معا. وأعلن اكبر مسئولي الأممالمتحدة في جنوب السودان ديفيد جريسلي أن معظم الموارد المالية تخصص لدفع رواتب أعضاء جيش جنوب السودان وأن الجيش يجب أن يخفض إلى النصف بعد الاستقلال. ويقول الجيش الشعبي لتحرير السودان إن "المجموعات المتمردة لها قاسم مشترك وهو أنها تحصل على التمويل والمعدات من قبل العدو القديم في الخرطوم ", ودخل جيش تحرير جنوب السودان في سلسلة معارك مع الجيش الشعبي لتحرير السودان بالقرب من قواعده في ولاية الوحدة , كما يقول المسؤولون في عاصمة الجنوبجوبا سواء كانوا محقين أو مخطئين إن الخرطوم لها دور في كل التمردات التي تحصل في الجنوب ما سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات بين الطرفين , وخلال الحرب الأهلية التي استمرت عقدين من الزمن كان الشمال يمول المجموعات المنافسة للجيش الشعبي لتحرير السودان بهدف إضعافه , وحتى نائب رئيس جنوب السودان ريك ماشار انفصل ذات مرة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان . وينفي حزب المؤتمر الوطني للرئيس السوداني عمر البشير دعمه للجيل الجديد من المتمردين , وفي هذا الإطار يقول أحد كبار المسؤولين في الحزب وهو إبراهيم غندور "هذه مشكلات بين الجنوبيين والشمال وحزب المؤتمر الوطني غير متورط في هذا." وتقدر الأممالمتحدة أن نحو 1400 شخص قتلوا في جنوب السودان هذا العام بسبب معارك بين الحكومة والجماعات المتمردة أو جراء نزاعات داخلية بين المتمردين. وهناك اتهامات موجهة إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان مفادها أنه مسؤول عن بعض الوفيات علما بأنه كان فيما مضى حركة متمردة قبل توقيع اتفاق السلام عام 2005 بين الجنوب والشمال. وأعلن جيش تحرير جنوب السودان نيته الإطاحة بحكومة جنوب السودان لكن بعض المراقبين يشكون في قدرته على تحقيق ذلك. وفي هذا السياق، تقول مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقرا لها "المجموعات المتمردة لا تشكل تهديدا بالنسبة إلى حكومة جوبا لكنها تمثل مصدر عدم استقرار في الإقليم , قد تتسبب في أزمات إنسانية في تلك المناطق وتقويض جهود التنمية." وفي حال تعطل جهود التنمية في جنوب السودان ستأتي دولة الجنوب في ذيل قائمة الدول النامية حسب تصنيفات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية المعنية. وتذهب دراسة بشأن توافر الأسلحة الصغيرة في جنوب السودان إلى أن تجدد أعمال العنف في ولاية الوحدة مسؤول عن زرع الألغام في الطرقات من جديد بعدما أزيلت منها من قبل الأممالمتحدة والفرق الدولية المتخصصة في إزالة الألغام منذ عام 2005 وألمح ناطق باسم جيش تحرير جنوب السودان بول جاتكوث إلى أن مقاتلي حركته قد يسيطرون على حقول النفط في ولاية الوحدة تداعيات كبيرة نظرا لأنها توفر 98 في المئة من مداخيل الجنوب.والاحتمال الآخر هو أن كبار القادة المتمردين قد يستغلون الانتصارات العسكرية التي تحققها مجموعاتهم في تأمين عودتهم إلى صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان لكن بمزايا أفضل من السابق. وتقول مجموعة الأزمات الدولية "الكثير من هذه المخاوف قمعت بذريعة تحقيق مصالح جنوب السودان في الاستقلال لكنها بدأت تطفو على السطح من جديد مع اقتراب موعد 9 يوليو " , وأشارت إلي تخوف بعض المتمردين من سيطرة قبيلة الدينكا على أهم المناصب العسكرية والمدنية في الجنوب واستمرار تردد الحركة الشعبية لتحرير السودان في الدفع قدما بالعملية السياسية لاستيعاب المجموعات المتمردة . وتضيف المجموعة "ما لم تنفتح الحركة الشعبية لتحرير السودان على المجموعات الأخرى وتشركها في إدارة شؤون الجنوب، فإن هذه الشكاوى ستنمو وتقود إلى مزيد من التمرد."