عكست هذه المليونية الحالة الدينية وطريقة الخطاب وطبيعة الصراع التي ستكون حاضرة في المرحلة القادمة. كان أكثر الحضور في هذه المليونية هم الملتحين من أتباع الطرق السلفية السلمية منها والجهادية وأتباع الشيوخ بكافة توجهاتهم وتمايزاتهم , ولم يشارك فيها إلا قليل جدا من غير الملتحين. وهذا في رأيي يعكس حالة انفصال بين النخبة السلفية وبين أولويات الشارع المصري وهذا لا يعني في الأساس عدم اهتمام الشارع بتطبيق الشريعة ولكن يمكن أن نقول أن الشارع يفهم أن الأولوية بتأمين الحاجات الأساسية للمجتمع وهذا في حد ذاته من متطلبات الشريعة. أيضا الشارع يفهم أن هناك أولويات مرحلية تتطلبها المرحلة قبل تطبيق الشريعة مثل التمكين لدولة المؤسسات أولا وتطهير مؤسسة القضاء وصدور الدستور وعودة مجلس الشعب فبدون هذه المؤسسات لن تطبق الشريعة ولو صدق ظني هذا فهو دليل على نمو حالة الوعي السياسي لدى الشعب المصري أو غالبيته على الأقل. تفوق السلفيين في الحشد مقابل حشد العالمانيين في ما يدعى مليونية كشف الحساب عكست التفوق السلفي في الحشد وهذا بالتأكيد ستظهر نتيجته في الانتخابات القادمة. عكست هذه المليونية الاختلاف الفكري بين الإخوان والسلفيين فلا السلفيين كانوا يحضرون مليونيات الإخوان ولا الإخوان حضروا مليونيات السلفيين وهي أيضا تعكس الخلاف الفكري بين الشعب والسلفيين فأغلب مليونيات الإخوان كان يشارك فيها الشعب بينما مليونية السلفيين لم يحضر فيها من الشعب إلا قليلا جدا مع تسليمي طبعا أن السلفيين من الشعب. وهذا يجعلني أقول أن لو كان السلفيين قد ضموا صفوفهم مع الإخوان من زمن بعيد في مواجهة مبارك لكان مبارك قد انتهى من زمن بعيد , ولو كان السلفيين قد شاركوا بمثل هذه الكثافة في الثورة وفيما تلتها من مليونيات لكنا قد اختصرنا كثيرا من الوقت في الوصول إلى تمكينا أقوى للدولة الإسلامية. وفي ظني أن عدم مشاركة السلفيين بمثل هذه الكثافة والفاعلية والحشد يعكس الفهم القاصر للإسلام عند السلفيين فمن الواضح أن قضية استبداد الحاكم لم تكن مشكلة عندهم ولا فقر المواطن ولا ضياع كرامته ولذلك لم يروا في البداية ضرورة للمشاركة في فعاليات الثورة باعتبار أن هذه المشكلات الاجتماعية والسياسية التي يعاني منه الناس ليست بمشكلة بل دعوا إلى مقاطعة هذه المظاهرات وتحريمها. كانت هناك جرأة على الإخوان والدكتور مرسي ووجهت إليهم الإنذارات والتنبيهات إن لم يطبقوا الشريعة ولم توجه إلى العالمانيين المعوقين للشريعة أصلا واختفاء هذه الجرأة والشجاعة عند السلفيين أيام مبارك تعكس حالة الاستقطاب والتجريح التي كان يقودها مشايخ السلفية ضد الإخوان في عصر مبارك وتؤكد استمرارها ولو لم تكن ظاهرة وواضحة كما كانت في الماضي , ونسوا أن مرسي والإخوان هم الذين قادوا هذه الثورة لتوفر لهم حالة الأمان والحرية الذي يتمتعون به الآن الذي هو أيضا من الشريعة. وجود ثلاث منصات في الميدان هذا اليوم تؤكد على حالة التباينات والاختلافات بين الفصائل السلفية الأمر الذي قد يختلط في ذهن المواطن بين حالات التشدد التي تصل في ذروتها الحالة الطالبانية في أفغانستان وبين حالات التشدد المتوسطة والمتقبلة لآليات تداول السلطة العصرية "الديمقراطية" فالمواطن متخوف طبعا من الحالة الطالبانية التي تظهر في بعض الخطابات وليس في إمكانه التفريق بدقة بين الاتجاهات السلفية وفي بعض الأحوال قد يصل تخوفه إلى الإسلاميين ككل. هذا الحشد السلفي الكبير هو أيضا رسالة للإخوان بأن يراعو في خطابهم التطميني والسياسي الحشد السلفي كما هم يراعون قوة العالمانيين والضغط القبطي. الحضور الواضح للخطاب العاطفي " الديماجوجي" وفي توجيه الحشد وشحنه الأمر الذي يؤكد حضوره أيضا وتأثيره الكبير في أي فعاليات تنافسية قادمة بين الإسلاميين , الأمر الذي قد يُضعف قوة التوحد في مواجهة العالمانيين. استطاع السلفيون أن يجمعوا الميدان في الصلوات على إمام واحد وهذه حسنة كبيرة تحسب لهم. أثبتت هذه المليونية للعالمانيين أنهم مجرد ظاهرة إعلامية , وأنهم ليسوا في مواجهة مع الإخوان فقط ولكن السلفيين أيضا , مما سوف سيصعب عليهم مهمتهم التي أسندت لهم وهي إعادة مصر لحضن العالمانية , الأمر الذي قد يدعوهم إلى طلب مضاعفة الأجرة. كما أعتقد أن هذه المليونية سوف تكون مشجعة ل د/مرسي ليتخذ خطوات أكثر جرأة وسرعة سواء للتمكين لدولة المؤسسات أو تطبيق الشريعة. مشهد الفصائل الإسلامية سواء من حضروا أو لم يحضروا ..أو من حضروا وكانت لهم عدة منصات تعكساختلافاتهم وتبايناتهم هذه الاختلافات والتباينات قد تكون الأرض الخصبة التي تستهوي أعداء الإسلام لتناصر فريق على فريق وتقدم فصيل على آخر لتقضي على أي فرصة للتمكين للإسلام. وقد حدث هذا في أفغانستان حينما ساعدت أمريكا المجاهدين عن طريق كل من جهازي مخابرات باكستان والسعودية في طرد المستعمر السوفييتي ثم انقلبت عليهم حتى لا يظهر للإسلام دولة عصرية وسطية وساعدت الفصيل الأكثر تشددا "طالبان" وأيضا عن طريق المخابرات الباكستانية والسعودية ضد المجاهدين لينتهي حلم الدولة الإسلامية العصرية ويتولى الحكم طالبان التي تحمل تصورات شائهة عن الإسلام جعلت فريق من الناس متخوفة من الإسلام أصلا. أخيرا هذه مناسبة مهمة يجب أن يستغلها دعاة الإسلام والإسلاميين عموما لبيان حقيقة الشريعة وسعتها وشمولها وتيسيرها ووسطيتها.