ضمانا لاستقلال أعضاء البرلمان وحماية لهم ضد أنواع التهديد والانتقام سواء من جانب السلطات الأخرى في المجتمع أم من جانب الأفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم نصوصها تكن لهم الطمأنينة التامة والثقة الكاملة عند مباشرة أعمالهم. وهذه النصوص تعرف باسم الحصانة البرلمانية وهي نوعان : حصانة موضوعية وحصانة إجرائية. والحصانة الموضوعية تعني عدم مسئولية أعضاء البرلمان عن الأقوال أو الأفكار والآراء التي تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم النيابية ولهذا يقال لها الحصانة ضد المسئولية البرلمانية. أما الحصانة الإجرائية فتعني عدم جواز اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرلمان في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بعد إذن المجلس التابع له ولهذا يطلق عليها الحصانة ضد الإجراءات الجنائية. والحصانة البرلمانية سواء أكانت موضوعية تمثل استثناء من القانون العام اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى وهي إن كانت في الظاهر تخل بمبدأ المساواة بين الأفراد إلا أن عدم المساواة هنا لم يقرر لمصلحة النائب بل لمصلحة سلطة الأمة ولحفظ كيان التمثيل النيابي وصيانة ضد أي اعتداء. ولكن ليس معنى ذلك أن يصبح أعضاء البرلمان بهذه الحصانة فوق القانون لا حسيب عليهم ولا رقيب فالحصانة ليست طليقة من كل قيد أو حد فهي عندما تقررت إنما كان ذلك لهدف محدد وواضح لا يجوز تجاوزه أو الخروج عليه وإلا تعرض عضو البرلمان للمسئولية كاملة. فقضية الحصانة البرلمانية أصبحت اليوم على كل لسان تطرح بحدة للتأكد من شرعيتها إزاء الاتهامات المتكررة الموجهة لعدد من برلمانيي الأمة فالسؤال المطروح على كل لسان يتعلق خصوصا بماهية هذه الحصانة وما الجدوى منها إن لم يكن التستر على مجموعة من البرلمانيين الدين جعلوا من ثقة المواطنين مطية للإثراء السريع في غياب تام لكل احترام للقانون. إن الحل الأساسي الذي يحفظ احترام وهيبة البرلمان والبرلماني وحقوق الوطن والمواطنين المادية والمعنوية قد يكمن في ضرورة إعادة النظر في الحصانة البرلمانية عموما والحصانة الإجرائية خصوصا فالبرلماني لا يمكن أن يترشح للانتخابات إلا إذا كان سجله العدلي نظيفا فهو غير مشبوه فيه ولا متابع ولا مطالب ولا متهم إنه مبدئيا خال من كل ما يشين. فالدستور عند منحه لمجموعة من الحصانات لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين كان يهدف أساسا إلى تمكينهم من آليات تساعدهم على مزاولة مهامهم دون قيود تحد من تدخلاتهم وتمس استقلاليتهم في منأى عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط قد يمارس عليهم . والحصانة البرلمانية هي على شكلين : الحصانة البرلمانية الموضوعية وتتعلق بعدم إمكانية متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا إلقاء القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته بمناسبة إبداء لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه (الفقرة الأولى من الفصل 39 من الدستور). أما الحصانة البرلمانية الإجرائية فتتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 من الدستور التي تنص على أنه "لا يمكن في أثناء دورات البرلمان متابعة أي عضو من أعضائه ولا إلقاء القبض عليه من أجل جناية أو جنحةغير ما سبقت الإشارة إليه في الفقرة الأولى من هدا الفصل إلا بإذن من المجلس الذي ينتمي إليه ما لم يكن العضو في حالة تلبس بالجريمة. ولا يمكن خارج مدة دورات البرلمان إلقاء القبض على أي عضو من أعضائه إلا بإذن من مكتب المجلس الذي هو عضو فيه ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها أو صدور حكم نهائي بالعقاب. إن الحصانة البرلمانية عند ظهورها في قانون الحقوق سنة 1688 كانت مقتصرة على حماية تدخلات ومواقف وآراء البرلمانيين داخل قبة البرلمان من سلطات الحكام إبان الثورة الانجليزية إلا أنها توسعت في القرن الثامن عشر بصدور قانون يزيد في مدى تنفيذها وينظم أحكامها فهل الحصانة البرلمانية أصبحت تمثل إخلالا بمبدأ المساواة بين الأفراد؟ فبعد أن كانت في المبدأ حصنا لحرية الرأي انقلبت إلى وسيلة للتهرب من العقاب. إن منطق الإصلاح الذي نهجه المغرب منذ خطاب تاسع مارس يتطلب منا جميعا أن نقف عند كل نقطة بها شوائب قد تعكر مسيرتنا الإصلاحية. فالحصانة الموضوعية قد تجد ركائزها الشرعية في حماية البرلماني من كل متابعة ناتجة عن أقواله وآرائه واعتقاداته التي يعبر عنها داخل قبة البرلمان سواء في جلساته العامة أو في لجانه ولا يجوز للقضاء أو النيابة العامة أو أية هيأة أو شخص آخر أن يقاضي البرلماني على ذلك حماية له من كل الضغوطات التي قد تمارس عليه للانحياز إلى جانب دون آخر لأنه يمثل الشعب فهي امتياز وظيفي لا يمكن التنازل عنه. أما الحصانة الإجرائية التي تحمي البرلماني من كل متابعة أو اعتقال من أجل جنحة أو جناية لا علاقة لها بمهمته فهي نشاز واستثناء لم يعد في عصرنا الحالي موجب لقبولها لعدم وجود أي علاقة لها بالمهمة التي انتخب من أجلها البرلماني ولا بظروف قيامه بعمله فهي تتعلق بجنحة أو جناية خارجة عن إطار صلاحيات البرلماني ومواقفه. فكيف يمكن أن ندافع على هذا الشكل من الحصانة خصوصا إذا تعلق الأمر بجنايات وجنح تتعلق بتبديد المال العام والرشوة واستغلال النفوذ والغدر والتزوير وما شابه هذه الجرائم من إثراء غير مشروع ومساس بالمال العام وحقوق المواطنين وتدبير شؤونهم اليومية عن طريق الجماعات المحلية التي نريد لها أن تكون ركيزة لهيكلة جديدة للدولة في إطار إصلاح دستوري شامل. إن الحصانة البرلمانية عن الجنايات والجنح التي يقترفها البرلماني خارج مهامه النيابية أصبحت مدخلا لسوء تدبير الجماعات المحلية وسلما يقفز عليه كل متلاعب بالقانون والمساطر من أجل تحقيق المصلحة الخاصة والإثراء السريع خصوصا إذا علمنا أن عددا كبيرا من البرلمانيين هم في الوقت نفسه رؤساء جماعات محلية. إن الحصانة البرلمانية الإجرائية لم تكن في قانون الحريات لسنة 1688بل تبناها البرلمان الإنجليزي في القرن الثامن عشر لحماية نفسه من الحكام الشيء الذي تبناه الدستور الفرنسي مند الثورة. فممن نريد أن نحمي برلمانيينا ؟ هل سنسير دائما في تقليد الدساتير الغربية ؟ أم أننا سنحاول هذه المرة أن نجتهد لنخرج باختيارات جديدة تناسبنا وقد تناسب الآخرين فنصبح بذلك قدوة في القانون الدستوري. ورغم أن المنطق ليس مع الحصانة البرلمانية الإجرائية وأن كل المعطيات تناهضها فلا بعدها القانوني ولا السياسي يشفع لها فإننا لا نقول بإلغائها وإنما بإجراء تعديلات على شكلياتها. فإذا كان الجميع لا يرى علاقة بين الحصانة الإجرائية ومهام البرلماني من جهة فإنه لا يستسيغ إعطاء صلاحية رفع هده الحصانة إلى نفس المجلس. لقد اختلف الفقه في تكييف هذا الاختيار إلا أنه اتفق على أنه عمل على تسييس الجنح والجنايات المرتكبة من طرف البرلمانيين بحيث أصبح النظر في حصانتهم ذا بعد سياسي وليس بعدا قانونيا. فالتضامن البرلماني الوظيفي يلعب دوره والانتماء للأغلبية أو المعارضة والتحالفات السياسية في تجاهل تام للقانون والمساطر والجنح والجنايات بحيث أصبحت الحصانة البرلمانية الإجرائية تلبس اللامشروعية جلباب المشروعية. إن الفكر الدستوري لا يجب أن يعقد ما هو بسيط بقدر ما يجب أن يزيد في تبسيطه فإذا نحن سلمنا بالحصانة البرلمانية الإجرائية حتى لا نختلف عمن سبقونا فإن هدا لا يعني أن نمنع عن أنفسنا الاجتهاد في إطار منطق قانوني سياسي واجتماعي سليم يقربنا من المرتكز الثالث والسادس لخطاب تاسع مارس الرامي إلى توطيد سمو الدستور وسيادة القانون والمساواة أمامه وتقوية آليات تخليق الحياة العامة وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة مع تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري. فالمجلس الدستوري مؤسسة دستورية مستقلة خصها الفصل الحادي والثمانون من الدستور بصلاحية مراقبة دستورية القوانين والفصل في صحة انتخاب أعضاء البرلمان. فالمجلس الدستوري هو الذي له صلاحية النظر في الطعون الانتخابية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب أو المستشارين وبالتالي فإن توسيع صلاحياته في هذا الإطار لن تكون إلا منطقية وتكمل دوره الرئيسي. إن رفع الحصانة البرلمانية في المغرب نادرة (حالة وحيدة خلال تسعة وأربعين سنة من النظام الدستوري 1962-2011) وذلك للتضامن الوظيفي للبرلمانيين مع بعضهم الشئ الذي خلق نوعا من التيئيس خصوصا في الحالات التي تهم مصالح مواطنين أو جماعات أو تدبير مرافق عمومية ....الخ. وهذا التيئيس انقلب إلى انعدام الثقة في المؤسسة نفسها لأنها تحمي من هي موجودة لحماية الشعب والمواطنين منهم الشيء الذي أدى إلى عزوف المواطنين عن التصويت وابتعادهم عن الأحزاب السياسية وانطلاقهم في منظمات عفوية تطالب بالإصلاح. لا يجادل أحد في أن الحصانة البرلمانية مدخل أساسي لأي إصلاح دستوري لارتباطها الوثيق بالعلاقات بين السلط وبكون البرلمان يجب أن يكون بعيدا عن كل الشبهات ليكون قويا قادرا على التشريع ومراقبة الحكومة وتمثيل الأمة لذا يجب إيلاؤها أهمية خاصة من شأنها أن تمكنها من لعب الأدوار التي سنت من أجلها. وللوصول إلى ذلك فإننا لا ننادي بإلغاء تام للحصانة البرلمانية بل نتبنى مراجعة للفصل التاسع والثلاثين من الدستور على أساس الاحتفاظ بالفقرة الأولى كما هي لأنها تتعلق بالحصانة الموضوعية. أما الحصانة الإجرائية فإنها تنقل إلى المجلس الدستوري. وهكذا يمكننا إعادة صياغة الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 من الدستور كالتالي «ولا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا إلقاء القبض عليه من أجل جناية أو جنحة غير ما سبقت الإشارة إليه في الفقرة الأولى من هدا الفصل إلا بإذن من المجلس الدستوري ما عدا في حالة التلبس بالجريمة أو متابعة مأذون فيها أو صدور حكم نهائي بالعقاب « ثم إلغاء الفقرة الرابعة والأخيرة من الفصل نفسه. إن إعطاء البث في الشطر الإجرائي للحصانة البرلمانية للمجلس الدستوري من شأنه أولا أن يرفع اللبس عن وضعية نشاز تعيشها مجتمعاتنا نتيجة الحماية السياسية لجنح جنايات لا علاقة لها بالسياسة ثم ثانيا فتح الباب أمام إصلاح حقيقي شجاع يعبر عن تطلعات المجتمع وثالثا أن يكون هدا الإصلاح منفذا لتفادي التقليد والاستماع إلى صوت الحكمة والعقل. إن تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري توطيدا لسمو الدستور ولسيادة القانون والمساواة أمامه وتقوية آليات تخليق الحياة العامة وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة لا يمكن أن تتحقق إلا بمقترحات شجاعة تعكر صفو الروتين والتقليد اللذين عشناهما في حقب سابقة. علينا إذن أن نكون في مستوى الطموحات وأن يكون دستورنا الجديد بمثابة القاطرة التي ستنقلنا إلى مجتمع أفضل يرتكز على مؤسسات دستورية خالية من كل الشبهات بإمكانها أن تقوم بدورها في إطار من الشفافية والنزاهة دون حاجة إلى حصانة أكثر من اللازم. الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية مستبعدة من هذا التساؤل لأن الهدف منهما إرجاء اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد العضو حتى يتم الإذن بها من قبل المجلس التابع له. إذ يصبح هذا العضو بعد صدور ذلك الإذن شخصاً عادياً يخضع لكافة أحكام التشريع الجنائي فيما اقترفه من فعل أو عمل. فالحصانة ليس لها علاقة بالفعل أو العمل المقترف وإنما فقط بالإجراءات الجنائية الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالة أو بمعنى أدق بوقت اتخاذ هذه الإجراءات فالحصانة التي نحن بصددها لا تخرج نائباً عن سلطة القانون ولا تؤدي إلى حفظ الدعوى بالنسبة إليه ولا ترمي إلى براءته فكل ما في الأمر أنها تعمل على تأجيل النظر في الدعوى ضده أثناء الانعقاد. استخدام وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة لتعميق الثقافة الديمقراطية والبرلمانية وتعريف المواطنين بأهمية البرلمان ودوره كمؤسسة تمثل مصالحهم ورفع مستوى الوعي الجماهيري بضرورة المشاركة في الانتخابات البرلمانية ومتابعة أعمال البرلمانات. - تقديم الدعم الإعلامي للبرلمانيين من خلال تخصيص برامج تلفزيونية وإذاعية ومواقع صحفية تعكس أنشطتهم واقتراحاتهم لحل المشاكل التي يواجهونها في عملهم وتخصيص أوقات محددة لبث جلسات البرلمان بصورة مباشرة على شاشات التلفزيون وإذاعة مقابلات مسجلة أو مصورة مع أعضاء البرلمان لعرض وجهات نظرهم إزاء مختلف القضايا التي تهم المواطنين. - إعداد برامج تلفزيونية خاصة موجهة إلى الشباب لتعريفهم بالحياة البرلمانية وبحقوقهم ووجباتهم إزاء هذا الجانب من حياة الوطن وجذبهم إلى المشاركة في الحياة العامة. - استخدام وسائل الإعلام لاسيما التلفزيون كوسيلة لإقامة الحواريين البرلمانيين والحكومة بين أنصار الحكومة والمعارضة في البرلمان وبين البرلمانيين والناخبين باعتبار ذلك وسيلة فاعلة لتلاقي الأفكار وتزويد المواطنين بالمعلومات الصحيحة عن مثليهم في البرلمان. - تطوير أدوات اتصال خاصة بالبرلمانات كالنشرات الخاصة والدوريات المجلات وإنجاز تقارير دورية (شهرية وفصلية أو سنوية) تتضمن بيانات ومعلومات عن أنشطة البرلمان. - دعوة البرلمانيين للاستعانة بالخبرات الإعلامية والاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة وخصوصا شبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت).