أهم ضرورات وضمانات استقلال اعضاء مجلسي الشعب والشوري في مواجهة السلطة التنفيذية وكذلك الغير، وهي قاعدة عدم مسئولية النائب عما يبديه من أراء او افكار طول مدة النيابة أو العضوية فلا يسأل امام اية جهة كانت عن تبعة هذه الافكار أو الاراء التي ابداها العضو حتي لو زالت عنه صفته النيابية فهي ليست امتيازا مقررا بل هي وسيلة لمساعدة النائب علي اداء عمله البرلماني دون تردد او خشية من المساءلة. وتعود فكرة الحصانة البرلمانية الي القرن 31 اثر قيام الثورة الانجليزية عام 8861 بإقرار ما يعرف بقانون الحقوق Bill of rights. والحصانة البرلمانية بنوعيها سواء كانت حصانة موضوعية أو إجرائية والتي تحول دون اتخاذ اية اجراءات جنائية ضد عضو المجلس الا بعد استئذان المجلس الذي يتبعه النائب دون حالة التلبس، فقد عرفتها مصر بعد استقرار الحياة النيابية علي اثر إعادة تشكيل مجلس الشوري عام 2881 حيث وجدت صورتها الاولي في اللائحة الاساسية لهذا المجلس الصادرة في فبراير 2881. وقد حرصت الدساتير المصرية بعد ذلك علي تضمين هذه الحماية ومنها الدستور الحالي في المواد 89 و99. والسؤال الذي يطرح نفسه هو تحديد النطاق الزمني للحصانة البرلمانية او بعبارة اخري متي تبدأ فترة الحماية البرلمانية المقررة للنائب؟. بداية فإن مطالعة المادة 89 من الدستور لا يؤاخذ اعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الافكار أو الاراء في أداء اعمالهم في المجلس او احدي لجانه. مادة 99 لا يجوز في غير حال التلبس بالجريمة اتخاذ اية اجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب إلا بإذن سابق من المجلس.. وبالتالي فإن النصوص الدستورية لم تحدد بصفة دقيقة متي تبدأ الحماية البرلمانية لعضو مجلس الشعب او الشوري والتي تنسحب عليه هذه الاحكام تطبيقا للمادة 502 من الدستور. وبالإجابة علي هذا التساؤل: ينبغي التفرقة بين نوعي الحماية أو الحصانة المقررة للنائب. 1- الحصانة الموضوعية: والمنصوص عليها دستوريا في المادة 89 بالدستور ومعناها عدم مؤاخذة النائب عما يبديه من أفكار أو أراء داخل المجلس أو لجانه وترجع جذورها كما سبق القول للنظام الانجليزي حماية لأعضاء البرلمان لقيامهم بدور رقابي علي أعمال السلطة التنفيذية بما يحول دون تردد النائب او حتي الامتناع عن المشاركة الايجابية خشية المساءلة خصوصا وان مناخ المناقشات التي غالبا ما تأخذ طابعا حماسيا يوفر غالبا ارضا خصبة للتجاوز بما يوقعه تحت طائلة القانون. وقد حدث ذات مرة ان تم توجيه تهمة الخيانة العظمي لاحد اعضاء البرلمان الانجليزي قديما بسبب مطالبته بتخفيض مخصصات القصر الملكي.. وبالتالي فإن هذه الحماية البرلمانية إنما تكون لصيقة بالاداء البرلماني خصوصا وان هذه الحماية القانونية مقيدة مكانيا فقط داخل المجلس أو احدي لجانه، وبالتالي يصبح عرضة للمؤاخذة عما يبديه خارج البرلمان طالما كان ما يبديه منقطع الصلة بالاداء البرلماني ويشكل مخالفة في حقه.. وفي هذا الصدد نري ان لحظة ميلاد الحصانة الموضوعية للنائب هي تلك اللحظة التي يؤدي فيها النائب اليمين القانونية تأسيسا علي ان عضو مجلس الشعب أو الشوري لا يباشر مهام العضوية الا بعد اداء اليمين القانونية طبقا للمادة 09 من الدستور. 2- الحصانة الاجرائية: وهي التي قررتها المادة 99 من الدستور ومضمونها عدم جواز اتخاذ اية اجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب أو الشوري في غير حالة التلبس الا بإذن سابق من مجلس الشعب او الشوري حسب الأحوال.. واصلها التاريخي يعود الي الافكار الديمقراطية التي تبنتها فرنسا بعد قيام ثورتها الكبري عام 9871. ومعني ذلك أن هذه الحماية لا تحول دون مسئولية النائب علي الاطلاق ويمكن فقط تقييد اتخاذ ايه اجراءات جنائية ضده الا بعد اذن المجلس وذلك حتي يتم ابعاد العضو عن الدعاوي الكيدية التي قد تلجأ اليها السلطات العامة أو الخصوم بغرض ابعاد النائب بما يحول دون مباشرة أعمال العضوية وبالتالي فإن حالة التلبس كاشفة بطبيعتها عن جدية الاتهامات المسندة الي النائب وبالتالي فلا مجال للحماية في هذه الحالة وفي اعتقادنا ان هذه الحماية الاجرائية انما مقررة لمصلحة النائب ضد السلطات العامة والغير وهي تتحقق وتولد منذ لحظة إعلان اللجنة العليا للانتخابات بفوز المرشح بعضوية مجلس الشعب دون انتظاره لاداء اليمين القانونية ذلك ان قرار اللجنة العليا للانتخابات في هذا الصدد انما هو قرار كاشف عن إرادة الناخبين وليس منشئا لهذه الارادة. فالحكمة ان حماية العضو من الكيدية من جانب السلطة التنفيذية او الافراد مما يعوقه عن مباشرة مهام مسئوليته البرلمانية امر كما يتحقق بعد اداء اليمين القانونية ويتأكد، من باب اولي قبل اداء اليمين القاونية اذ ان الكيد للعضو باتهامات باطلة او كيدية ودعاوي جنائية بما يمنعه من حلف اليمين القانونية بعد اعلان فوزه بالانتخابات يتحقق حتما وبالضرورة في منعه من مباشرة مهامه البرلمانية لعدم اداء اليمين القانونية بسبب الاجراءات الكيدية التي تلاحقه وتبعده عن مهام البرلمان. وترتيبا علي ذلك ينبغي الحصول علي اذن مجلس الشعب أو الشوري حسب الاحوال قبل اتخاذ اية اجراءات جنائية في غير حالة التلبس ضد عضو المجلس منذ لحظة إعلان النتائج بفوزه في الانتخابات إن كان منتخبا أو منذ صدور قرار التعيين إن كان معينا في المجلس دون توقف سريان الحماية البرلمانية لاداء اليمين الدستورية في هذه الحالة.