ولم تتمالك المذيعة نفسها.. صفعت المخرج علي وجهه أمام الجميع. وسمع الموجودون كلهم صدي الصفعة يتردد بين جنبات المكان.! نشرت الصحف هذا الخبر مبتورا ومبهما!! قالت الصحف تحت عنوان.. "انتحار طبيب" ان الطبيب اطلق علي نفسه النار "زهقا من الحياة".. وان النيابة بدأت التحقيق.. وصرحت بدفن الجثة.. حذفت الصحف من الواقعة قصة ما قبل الانتحار. مجاملة لزوجة الطبيب. حفاظا علي مستقبل ابنتها.. وحرصا علي سمعة الجهاز الكبير الذي تعمل فيه!! زوجة الطبيب "المجني عليه" من الطراز النسائي الذي يبالغ في الاعتداد بنفسه.. وكبريائه.. وكرامته.. بدءا من بواب العمارة وفراش مكتبها وزملائها وانتهاء بزوجها ورب اسرتها..!! تعمل مذيعة.. متميزة في موقعها.. لا يخطئها المشاهدون من بين عشرات المذيعات.. لاسلوبها الخاص.. ونبرة صوتها المميزة.. وكثرة مقاطعتها لضيوفها, ومعاملتهم كأنهم تلاميذ مدرسة هي ناظرتها.. تزوجت المذيعة من طبيب مشهور .. متعدد العلاقات واسع الاتصالات.. بعد سنوات عديدة اصبح من رجال المجتمع المعروفين.. ونجوم الطب في وسائل الاعلام المصري.. وكانت زوجته المذيعة اقرب الناس الي قلبه علي الاطلاق وابنته منها تمثل له الحياة.. لا يحتمل فراقها.. ولا يؤخر لها طلبا ولا يسافر الا وهي في يده.. كان اعزازه بزوجته وابنته منها حديث كل المقربين منه. ومعارفه وحتي مرضاه.!!.. الجميع يعلمون كم يحبها.. ويحترمها.. وكم يغفر لها تسلطها عليه.. وتعمد اظهار انها هي التي تحكم وتتحكم!!.. وفشل مرارا في ان يغير من طبعها. أو يهزم شرورها.. او يمتص غضبها.. .. كلما قرر ان يهجرها.. أويؤدبها.. يعود اليها صاغرا. فيزداد كبرياؤها. ويتضاعف صلفها. ورغبتها في ان تحكم وتتحكم اكثر مما مضي.!. قالوا له ان الحب الأعمي يقتل الحب.. ويحول المرأة الهادئة الي فرعون.. والبيت العامر الي خراب.. هز رأسه موافقا علي ما سمع.. ومقتنعا به.. ومؤيدا لمنطقة.. لكنه وجد ان حبه لها يتزايد وينمو ويكبر!!.. رغم تحذيرات اصدقائه!! طلبوا منها ان تحسن معاملته فهوطيب القلب.. واكثر منها ثقافه.. وحبه وعطاؤه لها بلا حدود.. وأنه لا يستحق منها الا ان تقدر له مشاعره.. وتحترم عواطفه.. وتجعل من حياته العائلية جنة تزيده تفوقا وشهرة ونجومية.. لكنها لم تأبه بكل ما سمعت.. ولم تعره أدني اهتمام.. حذروها من أن يحطم رغم رقته المتناهية- المعبد علي رأسه ورأسها ومعهما البنت الصغيرة وردت في جبروت.. "لايستطيع"..!! قالوا لها.. سيتزوج عليك حينما يبلغ به اليأس ذروته .. فأجابت في سخرية.. "لن يطيق فراقي ليلة واحدة"..!! وذات يوم.. دخلت عليه حجرة مكتبه قرب الفجر.!! كان يقرأ في احد المراجع الهامة استعدادا لعملية جراحية دقيقة سيجريها في الغد وتترقب نتائجها الدوائر الطبية .. لكن الزوجة اصرت علي النقاش !! خلع نظارته الطبية.. نظر اليها بدهشة.. فلم تقتحم خلوته من قبل منذ تزوجها.. فهي دائما تدخل الي فراشها مساء ولا تخرج منه الا حينما تستيقظ وتتجه الي عملها.. وكان يأتي متأخرا بعد انتهاء عيادته.. فلا يقلق نومها. يجهز العشاء بنفسه.. يصنع قدح شاي او فنجان قهوه ويدخل الي حجرته يقضي بين المراجع والكتب ساعات الليل الطويلة, حتي يشرق الصباح.. يجهز لها طعام الافطار.. يتناولانه معا.. تخرج هي.. وينام هو ساعتين فقط.. ثم يخرج الي المستشفي ليبدأ رحلة النهار التي تنتهي بعيادته!! ظنها ستسأله عن أخبار العملية التي تشغل اهتمامات الاعلاميين والمتخصصين.. او تعرض عليه مساعدتها في شييء ما, أو انها صنعت له فنجان القهوه الذي يعشقه. لكنها قالت له في برود: عايزاك شوية!! ترك المراجع من بين يديه.. نظر اليها متأملا ومصغيا: خير!! احنا لازم نطلق!! نطلق؟؟ أعوذ بالله!! انا فكرت كتير!! وده قراري الأخير!! اي مناقشة هتبقي تضييع وقت!!.. لكن دي مفاجأة.. ومفاجأة خطيرة..!! طب ليه وايه اللي حصل فجأة ووصلك للحالة دي؟؟ اعفيني..!! لو مش عاوزة نضيع وقت.. يبقي لازم اعرف السبب حالا واوعدك لو اقتنعت هنفذ لك القرار حالا.. توعدني برجولتك! اوعدك.. نظرت اليه ثم اطرقت برأسها الي الارض وهمست بصوت مسموع: انا بحب واحد تاني!! ولم يكن الطبيب نذلا ولا مخادعا.. ولا حانثا للوعد الذي قطعه علي نفسه.. كل ما حدث ان عينيه اغرورقت بالدموع لحظات انسحبت خلالها "المذيعة" من الحجرة وتركته وحده.. فكر في ابعاد القرار.. ومع من ستعيش ابنته التي كان يشعر ان روحه تعيش داخلها.. وروحها تعيش داخله.. هل تعيش معه فتحرم من امها التي تحبها بجنون؟؟ ام تعيش مع امها فيحرم هو منها رغم انه يحبها هو الاخر بجنون؟؟ ماذا سيقول عنه الناس بعد ان تطلق منه لتتزوج من اخر؟؟ ومن هو؟؟ كيف سيبرر لأصدقائه هذا الانفصال وصديقاتها سوف يحكين لزوجات اصدقائه انها طلقت لأنها تحب رجلا آخر؟؟ خرج من حجرته هادئا. دخل عليها حجرتها.. حدثها من بعد.. وعدها بأن الطلاق سيتم فور الانتهاء من العملية المنتظرة.. في اليوم التالي ارسل اعتذارا عن اجراء العملية..!! وفي المساء.. لم يعرف احد ماذا فعل.. تم كل شيء في سرية تامة.. باع عيادته بمبالغ فلكية.. اخد المبلغ كله وذهب الي احد اقاربه او اصدقائه او معارفه لا احد يعلم بالضبط.. منحه المبلغ وعاد الي منزله اكثر هدوءا!! سألته زوجته المذيعة عن سبب اعتذاره عن العملية الجراحية. قال لها: وهو يبتسم في برود : * حسيت انها هتفشل !.. هل انت ساهرة حتي الان لتسأليني عن الاعتذار عن العملية. هل اصبح امري يهمك الي هذا الحد؟؟ ** يعني.. اهي كمان فرصة علشان اشوف هتعمل ايه؟؟ * في الطلاق؟! ** ايوه !! كتم كل انفعالاته.. وحبس غضبه.. وتظاهر بالبرود الذي لمحته المذيعة فيه لأول مرة منذ زواجهما.. سألها سؤال مفاجيء: مين بقي الشخص الي بتحبيه.. وهتضحي علشانه ببيتك وجوزك وبنتك؟؟ ولا مش من حقي اعرف عريسك الجديد؟؟ افتكر انه مش مناسب تعرفه دلوقت!! اخذ نفسا طويلا من سيجارته.. واتجه الي النافذة.. اطل منها طويلا وهو يعطيها ظهره.. ومرت لحظات ثقيلة علي الاثنين معا. وهو يخفي عنها القرار الذي اتخذه بعد ان يطلقها.. وهي تخفي عنه العريس الذي احبته .. انه احد المخرجين الذي اوقعها في غرامه.. وامتلكها بخبراته النسائية.. وحرضها علي طلب الطلاق ليعيشا معا الي الأبد تحت سقف واحد.. لكنه كان يردد لها دائما ان زوجها الطبيب المشهور لن يتخلي عنها ولن يضحي بحبه لها.. وكانت هي تعده بأنها سوف تحاول.. وسوف تنجح!.. فجأة.. استدار الطبيب الكبير نظر اليها كأنه يودعها ثم اشار اليها بيده لتقترب منه.. خطت نحوه في تثاقل.. امسك ذراعها.. تنهد في حسرة.. رفعت رأسها الي وجهه.. هزتها دموعه.. احست ان الأرض تهتز من تحتها وهي تسمع نبرات صوتة المختنقة: * ".............." انت طالق يا حبيبتي ! ترك ذراعها.. اتجهه نحو سريرها.. طبع قبلة علي رأس ابنته.. بللت دموعه وجه الصغيرة. فتحت عينيها خائفة همست في براءة: بابا!!.. انت جيت يا بابا؟؟ * ايوه يا حبيبتي انت ليه مش ودتني المدرسة النهاردة!! *بكرة الصبح هوديكي هات بوسة يا بابا طبع قبلة اخري علي خد ابنته. وهو يجفف دموعه كيلا تلمحها الصغيرة.. اطال النظر اليها لكن الصغيرة غلبها النعاس واقفلت عينيها وهي ممسكة بذراع ابيها.. خلع الطبيب ابنته من عنقه في هدوء وغادر الحجرة تشيعه نظرات المذيعة في خجل!! دخل الي حجرة مكتبه.. امسك بالقلم. انتزع ورقة.. كتب فوقها عبارتين.. "رغم حبي المجنون لطفلتي الصغيرة, فقد زهقت من الحياة"!! مد يده الي درج مكتبه.. واخرج مسدسا اقترب به من رأسه!!! ودوي في المكان صوت رصاصات شقت سكون الليل في الحي الهاديء.. ثلاث او اربع رصاصات فتكت بعقل الطبيب.. واخرجت مخه الي زجاج المكتب.. ربما بجوار الورقة التي كتبها وعثرت عليها النيابة!! هبت المذيعة في فزع.. وهرولت خلفها الطفلة الصغيرة.. صرخت المذيعة كأنها تعوي.. ثم سقطت مغشيا عليها.. حتي حضر جيرانها.. هشموا باب الشقة.. ووجدوا الصغيرة مازالت ممسكة بجسد ابيها تهزه بكل قوتها وهي تصرخ "بابا.. بابا" كان الموت شيئا جديدا علي اسماعها.. ولا تعرف معناه.. وكانت تظن انها يمكن ان تجعله يرد عليها..!! لكن كل شيء كان قد انتهي الأب والزوج معا.. وبقيت الصغيرة علي امل كاذب قالته لها امها.. ان ابيها سوف يرجع وسوف يذهب معها ليوصلها الي المدرسة..!! وانتفضت فترة "العدة".. وشهور اخري بعد "العدة".. وزاغ منها المخرج .. لكنها طاردته حتي التقت به داخل استديو التصوير.. سألته: * الم تطلق زوجتك من اجل ان تتزوجني.. وطلقت انا من زوجي من اجل ان اتزوجك.. لماذا تهرب مني؟؟ ** لأني اعدت زوجتي الي عصمتي.. من اجل ابنائي سامحيني!! صفعته المذيعة علي وجهه.. وسمع كل من بالاستديو صوت الصفعة يتردد بين جنبات الاستديو!!