ورد في السنة النبوية الشريفة أحاديث كثيرة في الأمر بتسوية الصفوف؛ منها ما جاء في "الصحيحين" ومنها ما جاء في غيرهما: 1- فَمِمَّا جاء في "الصحيحين": حديث أَنَس بن مالك رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وآله وسلم قَالَ: »سَوُّوا صَفُوفَكمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ» واللفظ للبخاري. 2- وحديث أَنَسٍ رضي الله عنه أيضًا، أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وآله وسلم، قَالَ: »أَقِيمُوا الصُّفُوفَ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي» رواه البخاري. 3- وفي "الصحيحين" أيضًا من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: »لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» متفق عليه. 4- وروي الإمام مسلم من حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلَّي اللهُ عليه وآله وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنا فِي الصَّلاةِ ويقول: »اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ». 5- وروي الإمام أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وآله وسلم قال: »أقيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينوا بِأيْدِي إخْوانِكُمْ، ولا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ للشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ». وتسوية الصفوف لها معنيان؛ كلاهما وارد في الأحاديث السابقة: الأول: التَّسْوِية الحسِّيَّة: وهي اعتدال القائمين فيها علي سمت واحد؛ بحيث لا يتقدم بعض المصلين علي بعض. الثاني: التسوية المعنوية: وهي سد الفُرَج والخلل فيها؛ بحيث لا يكون فيها فرجة. وقد اتفق العلماء علي أن تسوية الصفوف هي من السنن المؤكدة في صلاة الجماعة؛ بل نص الحنفية وغيرهم علي أنها واجبة علي الإمام، غير أنه ينبغي أن تكون تسوية الصف بالتأليف والمحبة، خاصة بعد قلة العلم؛ فالأمر يتطلب مزيد الرفق بالناس لتعليمهم وتفقيههم، ولكن كل هذا لا يكون علي حساب المقصود الأصلي من الصلاة، وهو حضور القلب وخشوعه، فالأكمل الاستنان بالسنن النبوية الظاهرة والباطنة، وإذا لم يمكن الجمع بينهما فالحفاظ علي خضوع القلب للباري سبحانه في الصلاة والتآلف بين المسلمين أولي من الهدي الظاهر الخالي عن هذه الحقائق الأصيلة المقصودة لذاتها، علي أن الهدي الظاهر مقصود لغيره، فما كان مقصودًا لذاته أولي مما هو مقصود لغيره عند التعارض، والكمال بثبوتهما معًا. قال العلامة الكشميري الحنفي في "العرف الشذي شرح سنن الترمذي" (1/ 235، ط. مؤسسة ضحي): [تسوية الصفوف واجبة علي الإمام كما في "الدر المختار"، وتركُها مكروهٌ تحريمًا، وقال ابن حزم بفرضيتها، والاعتبارُ في التسوية الكِعَابُ، وأما ما في "البخاري" من إلزاق الكعب بالكعب فزعمه بعض الناس أنه علي الحقيقة، والحال أنه من مبالغة الراوي، والحق عدم التوقيت في هذا بل الأنسب ما يكون أقرب إلي الخشوع] اه. والله سبحانه وتعالي أعلم.