فى الذكرى ال51 لنصر أكتوبر .. شاهد أرض سيناء الحبيبة من الفضاء    محمد الرميحي: انتصار أكتوبر تحقق نتيجة التخطيط الحكيم من القيادة السياسية والعسكرية    خبير استراتيجي: الحق لا يرجع بالتفاوض فقط.. يجب وجود القوة    إقبال المواطنين على منافذ بيع اللحوم بمبادرة حياة كريمة فى بنى سويف    2 مليون طن إجمالي الإنتاج الداجني في مصر عام 2023.. «سلامة الغذاء» تجري 21 زيارة تفتيش على مجازر الدواجن واللحوم ومصانع الأمعاء    أكاديمية البحث العلمي تعلن إنتاج أصناف جديدة من بعض الخضراوات    هبوط مفاجيء في سعر الذهب في تعاملات اليوم .. هل تأثر بحركة الدولار ؟    رئيس هيئة البترول يتفقد القاهرة للتكرير ويوجه بالاستفادة من الخبرات فى كفاءة الطاقة    الجيش الإسرائيلي يرصد إطلاق صواريخ من قطاع غزة    «حزب الله»: استهدفنا تجمعات لجنود الاحتلال بمستوطنة شلومي برشقة صاروخية    ليون ضد نانت.. الكنارى يتأخر بالشوط الأول فى غياب مصطفى محمد    إيران: نعمل على الاستعداد لجميع السيناريوهات بشأن الهجوم الإسرائيلي    سوريا:غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات تحمل مواد طبية وإغاثية    من بينها مباراتان في يوم واحد.. الزمالك يخوض 3 وديات قبل السوبر المصري    ذكرى نصر أكتوبر| نجوم الرياضة.. أبطال على الجبهة    جلسة تصوير للتونسى محمد علي بن حمودة أحدث صفقات غزل المحلة.. صور    أسماء مصابي حادث سقوط ميكروباص داخل ترعة في قنا.. صور    إصابة سيدتين في انهيار جدار منزل ببني سويف    مطعم صبحي كابر .. لغز غلقه يحير المواطنين وتساؤلات عن مالكه الجديد    استخباراتيون أمريكيون: أعضاء الكونجرس طلبوا إجابات عن عدم انتباه إسرائيل لهجوم 7 أكتوبر    برفقة زوجها.. ريم سامي في أحدث ظهور والجمهور يغازلها    محمد ثروت: حرب أكتوبر نقطة فاصلة وتحول فى حياتنا كلنا كمصريين وأمة عربية    «الحياة» تحتفل بنصر أكتوبر بأيام السادات والاختيار والرصاصة لا تزال في جيبي    تذكار الميلاد الخامس والثمانين للأنبا رويس الأسقف العام    أحد أبطال حرب أكتوبر: القوات المسلحة انتهجت أسلوبا علميا في الإعداد    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث الملفات المشتركة    يا حظ من يتزوجهم.. تعرف على أكثر 5 أبراج رومانسية    ضمن أنشطة الثقافة بمبادرة بداية.. مناقشات أدبية وورش للموهوبين في الرسم والباليه بمركز طنطا الثقافي    ضمن مبادرة «بداية».. مناقشات أدبية وورش للموهوبين في الرسم بطنطا    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك في حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    القاهرة الإخبارية: الطواقم الإغاثية تمكنت من انتشال أكثر من 30 شهيدا من غزة    وزير الإسكان يتابع سير العمل بمحور "عمرو بن العاص"    الحوار الوطني يُحيي ذكرى أبطال حرب أكتوبر المجيدة     الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الاثنين 7 أكتوبر 2024    ورش عمل في «الشعب الجمهوري» لتدريب وتأهيل 1000 كادر للمحليات    أمل رفعت تكتب: النوستالجيا والمكان في رواية شيء من بعيد ناداني للروائي أحمد طايل    عمار حمدي: كنت أتمنى العودة ل الأهلي.. وأحب جماهير الزمالك    استشاري تغذية: الأسس الغذائية للاعبي كرة القدم مفتاح الأداء الرياضي    الوادي الجديد.. تنظيم قافلة طبية لمدة يومين في قرية بولاق بمركز الخارجة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 105 ملايين خدمة مجانية خلال 66 يوما    وزير الرياضة: إجراءات انتخابات الاتحادات الرياضية بدأت.. وهذا موقف قانون الرياضة    علي معلول مستمر مع الأهلي في حالة واحدة فقط    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    عشرات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال    الداخلية تقدم تسهيلات للحالات الإنسانية بالجوازات    ضبط عملات أجنبية بقيمة 6 ملايين جنيه فى السوق السوداء    «الداخلية»: ضبط 8 أطنان دقيق مدعم في حملات لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك فى إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    "مزمار الشيطان في بيت رسول الله".. رمضان عبد المعز يوضح: ماذا رد النبي يوم النصر؟    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    جيسوس مدرب الهلال يشيد بجماهير الأهلي بعد كلاسيكو الدوري السعودي    متصلة: خطيبي بيغير من الشحات في الشارع؟.. وأمين الفتوى يرد    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    تبون: الجزائر دخلت في طريق التغيير الإيجابي وستواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    «الإفتاء» توضح.. هل يجوز الأكل على ورق جرائد به آيات من القرآن؟    رسميًا.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب‮:‬ البنت الأخري لم أخرج من ليلي‮:‬
سر آني إرنو‮!‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 22 - 10 - 2016

وأنا أقرأ آني إرنو،‮ ‬أتذكر جملة جوان ديديون الخاصة بأن الكتابة فعل عدائي‮ ‬يتمحور حول قول‮ "‬أنا‮"‬،‮ ‬حول فرض ذات الكاتب علي الآخرين،‮ ‬حول قوله لغيره‮: "‬إنصت إليّ،‮ ‬إنظر بعينيّ،‮ ‬غير رأيك‮!"‬
مع فارق أن ديديون في رواياتها تعتمد علي التخييل والبنية المركبة علي عكس ما تسلكه في كتبها‮ ‬غير الروائية،‮ ‬في حين أن إرنو تكتب ذاتها وتضع كل تفاصيل حياتها وعلاقاتها تحت المجهر دون حاجة إلي التخييل،‮ ‬كما تبدو‮ ‬غير مهتمة بتغيير رأي الآخرين أو بالتأثير فيهم،‮ ‬وإن كانت تنجح في هذا،‮ ‬إذ‮ ‬يشعر قراؤها بأنها تحكي عنهم،‮ ‬وبأنها تمنح هواجسهم الخاصة ومشاعرهم المسكوت عنها صوتاً‮.‬
تكتب عن علاقتها بأمها في‮ "‬امرأة‮" ‬فتشعر قارئات كثيرات بأن الأم تشبه أمهاتهن،‮ ‬وعن علاقتها بحبيبها في‮ "‬عشق بسيط‮" ‬فتبدو كمن تقبض علي جوهر العشق إن كان له جوهر‮.‬
في تقديمها لترجمتها ل"الحدث‮" ‬تصف الشاعرة هدي حسين كتابة إرنو بأنها‮: "‬تكمل عندي جملاً‮ ‬لم أقلها،‮ ‬وتنهي مراحل لا أرغب في أن أعيشها كاملة‮."‬
وفي تقديمها لترجمتها ل"البنت الأخري و لم أخرج من ليلي‮" ‬تكتب الروائية نورا أمين‮: "‬لقد عشت قصص آني إرنو كأنها حكاياتي الشخصية‮. ‬غصت فيها وتجسدتها‮. ‬توحدت مع صوتها حتي خُيِّل إليّ‮ ‬أحياناً‮ ‬أنها تكتبني بشكل شخصي‮."‬
أنا أيضاً‮ ‬ينتابني إحساس مشابه حين أقرأ أعمال إرنو،‮ ‬رغم انحيازي عادةً‮ ‬للتخييل والتركيب‮. ‬إلا أن التماهي بيني وبين إرنو تضاعف أثناء قراءة‮ "‬البنت الأخري‮" (‬صدرت بالفرنسية في‮ ‬2011‮) ‬لسبب أساسي هو أني فقدتُ‮ ‬أختاً‮ ‬صغيرة مثلها،‮ ‬وكتبت عنها قصة بعنوان‮ "‬فتاة فبراير‮" ‬ضمن مجموعتي القصصية الأولي‮. ‬الفارق أني رأيت شقيقتي الصغيرة‮ "‬ياسمين‮"‬،‮ ‬التي رحلت بعد شهرين من ميلادها،‮ ‬أما إرنو فوُلِدت بعد وفاة شقيقتها‮ "‬جينيت‮" ‬بعامين،‮ ‬ولم تعرف بأمرها سوي وهي في العاشرة،‮ ‬إذ ظلت الصغيرة الراحلة السر المقدس في حياة الوالدين،‮ ‬وعاشت كاتبتنا في ظل الطيف المهيمن لمن خنقتها الدفتيريا‮.‬
ولأن الصور القديمة هي كل ما‮ ‬يربط‮ "‬البنتين‮"‬،‮ ‬تبدأ آني‮ "‬البنت الأخري‮" ‬بوصف صورة سِبيا،‮ ‬بيضاوية للرضيعة جينيت،‮ ‬وكيف كانت تظنها صورتها هي،‮ ‬أي أننا منذ البداية نجد أنفسنا أمام التباس‮: ‬أنا‮/ ‬هي‮. ‬وهو الالتباس المهيمن علي النص بكامله بداية من العنوان‮. ‬فما‮ ‬يطرأ علي الذهن حين نقرأ عنوان‮ "‬البنت الأخري‮" ‬هو أن الإشارة هنا للأخت المحكي عنها،‮ ‬غير أننا نكتشف لاحقاً‮ ‬أن الكاتبة تقصد نفسها ب"البنت الأخري‮"! ‬فالذات تخلت عن مركزيتها وصارت آخر،‮ ‬والأخت الغائبة احتلت المركز وأزاحت أختها الحاضرة إلي الهامش‮.‬
علاقة الإخوة نفسها مشكوك فيها وفقاً‮ ‬لإرنو،‮ ‬حيث لا‮ ‬يقرها سوي السجل المدني‮. "‬لكنك لست أختي،‮ ‬لم تكوني أبداً‮ ‬أختي‮. ‬لم نلعب سوياً‮ ‬ولم نأكل سوياً‮ ‬ولم ننم سوياً‮. ‬لم ألمسك أبداً،‮ ‬ولم أعانقك‮. ‬لم أرَ‮ ‬أبداً‮ ‬لون عينيك‮. ‬لم أركِ‮ ‬أبداً‮. ‬أنت بلا جسد،‮ ‬بلا صوت،‮ ‬مجرد صورة مسطحة في فوتوغرافيا الأبيض والأسود‮."‬
المشاعر التي تعبر عنها الكاتبة هنا بالغة التعقيد،‮ ‬فهي خليط من الغيرة والتنافس مع ظل خفي،‮ ‬والذنب لأنها نجت من التيتانوس فيما رحلت شقيقتها التي هي دافع الحكي ومبرره‮. "‬أنا لا أكتب لأنكِ‮ ‬متِ‮. ‬لقد متِ‮ ‬من أجل أن أكتب‮. ‬هناك فارق كبير‮."‬،‮ ‬لكن كيف تكتب إرنو ما لا تعترف بوجوده،‮ ‬ما لم تره سوي كغياب تام مخبَّأ في قلبيّ‮ ‬الأب والأم باعتباره سرهما الأعظم؟
تفعل هذا عبر رصد وتشريح تأثير كل هذا عليها هي‮: "‬ليس لكِ‮ ‬وجود إلا عبر بصمتكِ‮ ‬علي وجودي‮. ‬أن أكتبكِ‮ ‬هو إلا أتعدي معاينة‮ ‬غيابكِ‮. ‬إنكِ‮ ‬شكل فارغ‮ ‬يستحيل ملؤه بالكتابة‮."‬
اللافت أن آني إرنو تصف نصها،‮ ‬في أكثر من موضع،‮ ‬بالرسالة‮. ‬وهو فعلاً‮ ‬رسالة موجهة لجينيت أينما كانت‮. ‬والتحدي الماثل هنا،‮ ‬هو أن‮ "‬ضمير المخاطب فخ‮. ‬ففيه شيء خانق،‮ ‬ويقيم بين الأنا والأنت حميمية متخيلة بفوحان الشكوي،‮ ‬إنه‮ ‬يقرِّب كي‮ ‬يلوم‮. ‬وبرقة‮ ‬يميل إلي أن‮ ‬يجعل منكِ‮ ‬سبب وجودي،‮ ‬وأن‮ ‬يحط من شمولية وجودي بسبب اختفائك‮."‬
هكذا تواصل إرنو الجري وراء ظل،‮ ‬معتبرة أن رسالتها المكتوبة لجينيت رد دين متخيل بأن تمنح أختها الوجود الذي منحه لها موتها،‮ ‬فلو عاشت جينيت لما أتت آني إلي العالم لأن أبويها كانا مصممين منذ البداية علي إنجاب طفل واحد فقط‮.‬
النص الثاني الذي‮ ‬يضمه الكتاب الصادر مؤخراً‮ ‬عن دار أزمنة،‮ ‬هو‮ "‬لم أخرج من ليلي‮" ‬الذي سبق أن صدرت طبعته الأولي عن المركز القومي للترجمة،‮ ‬وتسرد فيه إرنو قصة مرض أمها بالزهايمر وتفاصيل إقامتها في قسم المسنين بمستشفي‮ "‬بونتواز‮". ‬الكتاب،‮ ‬الصادر بالفرنسية عام‮ ‬1997،‮ ‬تم تدوينه علي هيئة‮ ‬يوميات أثناء مرض الأم التي‮ ‬يعرفها قراء آني إرنو جيداً‮ ‬عبر نص‮ "‬امرأة‮". ‬في‮ "‬لم أخرج من ليلي‮" ‬يتعرف القراء علي وجه آخر للسيدة دوشاسن هو وجه المرض والأفول،‮ ‬وعلي ملمح مختلف من علاقة الكاتبة بها‮.‬
سواء في‮ "‬البنت الأخري‮" ‬أو‮ "‬لم أخرج من ليلي‮"‬،‮ ‬تحافظ آني إرنو علي سرها الخاص ككاتبة تجيد النفاذ إلي أعماق المشاعر الإنسانية بكل تعقيدها‮. ‬وأخيراً‮ ‬تبقي الإشارة إلي المقدمة الكاشفة التي قدمت بها نورا أمين النصين،‮ ‬والتي تعد مدخلاً‮ ‬مثالياً‮ ‬للتعرف علي إرنو‮ ‬وعالمها الأدبي‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.