منذ أن صافحت قدماه وجه الطريق وحتي وفاته عن الثمانين عامًا، لم يعرف سوي خدمة كتاب الله، وسيلة عيش، وهواية، واسلوب حياة؛ وذلك لأنه تتلمذ علي يد أكابر العلماء في عصره، وكذلك تتلمذ عليه معظم القراء الآن، كما قدَّم عدة برامج في علوم القراءات بإذاعة القرآن الكريم وسجّل ختمتين لحفصٍ إحداهما بِقصْر المنفصل وختمة أخري لشعبة، وكان قد أكمل كتاب الكوكب الدري للشيخ قمحاوي وشرح منظومة الكسائي للشيخ الضباع، سمَّاها: حديقة الرأي، ولكن يبدو أن هذا الشرح قد أضاعه أحد تلاميذه. كان مولد الشيخ عبدالحكيم عبداللطيف في مصر بمنطقة الدمرداش أمام مسجد المحمدي، في السابع عشر من سبتمبر عام 1936، وهو الشهر نفسه الذي توفي فيه مساء الجمعة التاسع من سبتمبر الحالي، حيث نزح والده من الصعيد في سنٍّ باكرةٍ ليعمل عدة أعمال منها التجارة في الخشب لم يُرد لابنه أن يسلك تلك الطريق فبعث به وعمره لم يتجاوز السنوات الأربع إلي المكتب المحمدي بمنطقة الدمرداش، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره 13 عامًا فقط، وكان يدير المكتب الشيخ إمام عبده حلاوة الذي أخذ علوم القراءات عن عدد من القراء المُعتبرين برواية حفص، وكان الشيخ إمام معتنيًا بتلاميذه، يُصحِّح عليهم القرآن الكريم بعد الكتابة في الألواح، وبعد أن أتم الحفظ قرأ الشيخ عبدالحكيم علي تلميذ شيخه الشيخ علي مصطفي عرفة عدة ختمات إعادة، وعلي غيره من مشايخ هذا المسجد.. ولكن كل ذلك لم يكن ليُرضي والده الذي تطلع إلي رؤية ولده شيخًا أزهريًّا قرآنيًّا فألحقه بالمعهد الديني الابتدائي، وبعد أن انتظم في الدراسة أصر والده علي أن ينتقل إلي معهد القراءات بالأزهر وكان ذلك نحو سنة 1950.ولأن العلم لا يأتي من الهواء، بل تلزمه دراسة جادة واجتهاد كبير فإن الشيخ عبدالحكيم قد درس علي عدد كبير من المشايخ كانوا أعلامًا مضيئة للأزهر الشريف، الشيخ محمود علي بِسَّة، أخذ عنه الشيخ عبد الحكيم إجازة التجويد، فقرأ عليه عدة ختمات، وحضر له شرح التحفة والجزرية، وألف كتابًا حافلاً في التجويد سماه: العميد في علم التجويد، وكان حنبليًّا، قال الشيخ عبد الحكيم: »وهو الذي حنبلني، وحبَّبني في هذا المذهب، وأرشدني إلي كتب الحنابلة، كالمقنع».. ومن تواضعه أنه عُرضت عليه مشيخة المقارئ أيام الشيخ رزق حبة، فقال: لا أكون شيخًا لها والشيخ رزق حبة موجود، وبعد وفاة الشيخ رزق نزل عنها رسميا، فتقلدها تلميذه الشيخ المعصراوي. زار الشيخ بلادًا عدة مُصليًا، وتاليًا بالقراءات، في شهر رمضان وغيره، ومعلِّمًا، وحكَمًا في المسابقات، وكان شيخ الأزهر جاد الحق يختاره للذهاب إلي هذه الرحلات والمسابقات، كما كان شيخ مقرئي الجامع الأزهر لأكثر من أربعين عاما، وموجه أول بالأزهر، ورئيس لجنة التحكيم في المسابقة العالمية للقرآن الكريم، وهو حائز علي أعلي وأقدم الأسانيد القرآنية لإجازة التلاوة والقراءة بشهادة المملكة العربية السعودية، وينتهي سنده إلي الصحابة الكرام الإمام علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأُبي بن كعب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. رحم الله الشيخ عبدالحكيم عبداللطيف وأسكنه واسع جناته قدر ما قدَّم لكتاب الله، وعزاؤنا فيه أن تلاميذه يملأون الأرض تلاوة تخشع لها الجبال.