واذا كانت المصيبة العام الماضي هي توريد القمح المستورد مكان القمح المحلي والحصول علي الفرق بينهما فإن الكارثة الاعظم هذا العام هي التوريد الوهمي للقمح. لا تكفي استقالة الدكتور خالد حنفي وزير التموين والتجارة الداخلية للقضاء علي الفساد البواح في توريد الاقماح لأنه بعد ان شرعت حكومة الدكتور شريف اسماعيل العام الماضي في وضع قواعد شفافة وواضحة لدعم الفلاح المصري من خلال تقديم الدعم بصورة مباشرة للارض المزروعة بالفعل بالاقماح ومنح الفلاح مبلغ 1300 جنيه كدعم مباشر عن كل فدان من واقع المعاينة الميدانية للمساحة المزروعة وترك آليات السوق لتعمل بعد ذلك وهذا في حد ذاته يعتبر تشجيعا للفلاح علي زيادة المساحة المزروعة قمحاً وصولاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي محليا خاصة بعد المشروع العملاق الذي دشنه الرئيس عبدالفتاح السيسي لاستصلاح واستزراع 1.5 مليون فدان اعتماداً علي المياه الجوفية. ولكنه كعادة الحكومة تراجعت عن اقرار هذه القواعد الشفافة وعادت ريما لعادتها القديمة رغم الفساد الذي زكم الانوف في موضوع توريد الاقماح خلال العام الماضي والذي تحملت فيه الخزانة المصرية اكثر من 1.7 مليارجنيه وهو قيمة الفرق في السعر بين القمح المحلي الذي لم يتم توريده والقمح المستورد الذي تم توريده بالفعل. واذا كانت المصيبة العام الماضي هي توريد القمح المستورد مكان القمح المحلي والحصول علي الفرق بينهما فإن الكارثة الاعظم هذا العام هي التوريد الوهمي للقمح والحصول علي الفرق وبلغ ما تم حصره حتي الآن اكثر من 700 مليون جنيه صرفتها الحكومة مقابل اقماح وهمية لم يتم توريدها. ورغم ان الارقام لا تكذب الا ان الحكومة كعادتها دائما صنعت »ودن من طين والاخري من عجين» فالانتاج السنوي المحلي من القمح لا يتعدي 8 ملايين طن والاستهلاك يصل الي اكثر من 18 مليون طن اي ان الدولة تستورد سنويا اكثر من 10 ملايين طن لتغطية الفجوة بين الانتاج والاستهلاك فكيف يتسني هذا العام توريد 5 ملايين طن وتوريد اكثر من 6 ملايين طن العام الماضي في حين ان الانتاج المحلي من القمح لا يكاد يكفي الاستهلاك الشخصي للفلاح واسرته عدا حالات فردية يزيد فيها انتاج الفلاح عن استهلاكه الشخصي ويتم توريده للصوامع. وعلي الرغم من ذلك ووضوح الفساد بصورة لم يسبق لها مثيل لم تبحث الحكومة عن البدائل المضمونة لعدم التلاعب في توريد الاقماح ومن وجهة نظرنا فإن التوريد ينبغي ان يكون من خلال الميكنة الزراعية فالفلاح الذي يريد توريد اقماحه للدولة لابد ان يمر محصوله من خلال الميكنة الزراعية التابعة لوزارة الزراعة والتي عليها الحصاد والدرس واعداد عبوات »اجولة» معدة مسبقا بمعرفة الميكنة ومطبوع عليها علامات واشارات يصعب تقليدها او تزييفها ويتم الاخطار بالتوريد من خلال الميكنة الي مديرية الزراعة التابع لها الحيازة الزراعية. وقبل ان اختتم هذا الاطلالة القصيرة فلابد من محاسبة ومساءلة كل من شارك في عمليات التوريد الوهمي للاقماح هذا العام حتي يكون عبرة لغيره وان يتم فرض غرامات ضخمة جدا علي من ارتكبوا هذه الجرائم المشينة في ظل حاجة الدولة لكل جنيه لمجابهة الاحتياجات الضخمة لعمليات التنمية التي يقودها باقتدار الرئيس عبدالفتاح السيسي وفي النهاية اذكر بأهمية تطبيق الحديث الشريف الذي يقول »انما اهلك من كان قبلكم انه اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها».