علمنا منذ أشهر بتشكيل رئيس الجمهورية لجنة برئاسة مساعد الرئيس المهندس إبراهيم محلب لاسترداد أراضي الدولة المستولى عليها ، وكذلك ضبط الجهات الرقابية لجرائم استيلاء وتسهيله للغير فى عملية توريد محصول القمح وغيرها من الأموال العامة وقد عاقب المشرع على هذه الجريمة فى المادة 113 من قانون العقوبات بقوله " كل موظف استولي بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن... وتكون العقوبة السجن المؤبد أو السجن المشدد إذا ارتبطت الجريمة بجريمة تزوير أو استعمال محرر مزور ارتبطت لا يقبل التجزئة أو إذا ارتكبت الجريمة في زمن حرب وترتب عليها إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها... وتكون العقوبة الحبس والغرامة التي لا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا وقع الفعل غير مصحوب بنية التملك.. ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت". ولا تقع جريمة الاستيلاء - أو تسهيله للغير – إلا من موظف عام وفقا لمفهومه الواسع الوارد بالمادة 119 مكرر من قانون العقوبات. وإذا لم يكن موظفا ، فإن فعله لا يمكن أن يشكل استيلاء، وإن أمكن أن تقوم به جريمة أخرى كالسرقة أو النصب أو خيانة الأمانة وفقاً للوسيلة التي وقع بها الاعتداء على المال . و نظرا للطبيعة المالية والاقتصادية لهذه الجرائم التى تنطوى على سلب مال الدولة و تأثيرها فى الوضع الاقتصادى للمجتمع والدولة واستقرار الأسواق ورغبة فى جذب الاستثمار فإن المشرع بين حق الدولة فى العقاب ومصلحتها فى استرداد هذه الأموال فآثر مصلحة الدولة فى استعادة الأموال على حقها فى العقاب من خلال اتباعه سياسة العدالة الجنائية وذلك بموجب القانون رقم 16 لسنة 2015 والصادر في 12 مارس 2015 والذى استحدث نظاما جديدا للتصالح الجنائي بين الدولة والمتهم في جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهي جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر . ويترتب على التصالح وفقا للمادة 18 مكرر ( ب) من قانون الإجراءات الجنائية انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها ووقف تنفيذ الحكم نهائيا إذا كان التصالح بعد صيرورة الحكم باتا ويمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين فى القضية . وإذا كان التصالح يعمل على تشجيع المتهم على رد الأموال التى استولى عليها إلا أن نظام التصالح يعيبه أنه نظام للعدالة الجنائية يخضع للتفاوض بين المتهم والدولة خاصة عندما يكون المتهم هاربا خارج مصر فإنه عادة ما يلجأ إلى التفاوض على عدم رد الأموال التى حصل عليها أو قيمتها كاملة مما يترتب عليه ضياع بعض الأموال على الدولة كما أن التصالح لا يحقق فكرة الردع العام وذلك لإفلات المتهم من العقاب بالتصالح والتمتع بباقى الأموال التى نهبها بل إنه يعد دافعا لدى الأفراد للاستيلاء على أموال الدولة لعلمهم أنه إذا تم اكتشاف الجريمة فإنه بإمكانهم الإفلات من العقاب بالتصالح فيها ورد جزء من الأموال والانتفاع بالباقى أو رد الأموال كاملة والانتفاع بما أثمرته من ربح لذلك أرى أنه يجب تعديل نص المادة 18 مكرر ( ب) من قانون الإجراءات الجنائية والتضييق من نطاق التصالح لأنه استثناء من الأصل وهو العقاب و قصر التصالح على الحالات التى يستحيل فيها استرداد الأموال كأن يكون المتهم فر خارج البلاد وهناك موانع قانونية تحول دون تسليمه أو استرداد الأموال المستولى عليها لتهريبها للخارج أما إذا كانت الأموال موجودة بالداخل فيجب رفض التصالح لأنه يمكن للدولة التحفظ على هذه الأموال .