كثر الحديث مؤخرا عن رغبة بعض رجال الاعمال الهاربين خارج البلاد ، والمحكوم عليهم بعقوبات جنائية سالبة للحرية ، للتصالح مع الدولة وتسوية مواقفهم المالية مقابل التنازل عن هذه الاحكام أو الاعفاء منها ، واغلاق ملفاتهم المتعلقة بنهب المال العام ، والاستيلاء عليه ، وتوالت العروض من جانب موكليهم فى بورصة مزاد المصالحات ومعظمها عروض إعلامية أكثر منها جدية ، ولكن أين القانون من كل ذلك ، وما هى طبيعة الجرائم التى يجوز التصالح بشأنها ، وهل التصالح للافلات من العقاب يعلو على حق المجتمع . حول هذه القضية يقول المستشار مجدى امين جرجس نائب رئيس هيئة قضايا الدولة وعضو المجلس الاعلى الاسبق، لقد اتجه المشرع فى المادتين -18- و18 مكرر "أ " من قانون الاجراءات الجنائية الى قصر التصالح على طائفتين من الجرائم هما أولا: الجنح التى لايعاقب عليها وجوبيا بغير الغرامة أو التى يعاقب عليها جوازا بالحبس الذى لايزيد حده الاقصى عن ستة اشهر، فالمعيار هنا هو العقوبة ذاتها، ثانيا: المخالفات عموما سواء كانت عقوبتها الوحيدة هى الغرامة أم كانت هناك عقوبات تكميلية أخرى، وكان مؤدى ذلك هو خطر التصالح فى الجنايات باطلاق، الا أنه بتاريخ 12 مارس 2015 صدر القرار بقانون رقم 16 لسنة 2015 بتعديل بعض احكام قانون الاجراءات الجنائية، والذى اجاز التصالح ايضا فى بعض الجنايات، فما هى هذه الجرائم وكيف يتم التصالح بشأنها ؟. جرائم التصالح ويضيف المستشار مجدى امين قائلا اولا: حدد القانون الجديد الجرائم التى تشكل اغلبها جنايات، والتى يجوز التصالح بشأنها وهى، اختلاس المال العام والعدوان عليه وكذلك جرائم الغدر ومنها، اختلاس الموظف العام اموالا أو اوراقا موجودة فى حيازته بسبب وظيفته، وايضا استيلاء الموظف العام بغير حق أو تسهيل الاستيلاء على اموال أو اوراق مملوكة للدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو ما فى حكمها ، وكذلك طلب الموظف العام أو اخذ ما ليس مستحقا من الضرائب والرسوم أو العوائد والغرامات، ومنها ايضا حصول الموظف العام أو محاولته الحصول لنفسه أو للغير بدون حق على ربح أو منفعة من اعمال وظيفته، خامسا: تعدى الموظف العام على ارض أو مبان مملوكة لوقف خيرى أو للدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة وما فى حكمها، وكذلك جريمة أضرار الموظف العام عمدا بأموال أو مصالح الجهة التى يعمل بها، ومنها ايضا تسبب الموظف العام بخطئه فى الحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التى يعمل بها، وأيضا كل من اهمل فى صيانة أو استخدام المال المعهود به اليه على نحو يعرض سلامته او سلامة الاشخاص للخطر، وكل من اخل عمدا بتنفيذ الالتزامات التى يفرضها عليه عقد مقاولة أو نقل او توريد أو أشغال عامة ارتبط به مع الدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو ما فى حكمها، وكذلك كل موظف عام خرب او اتلف أو وضع النار عمدا فى اموال أو منقولات للجهة التى يعمل بها، واخيرا كل موظف عام استخدم سخرة عمالا فى عمل للدولة او الهيئات أو المؤسسات العامة أو ما فى حكمها أو احتجز بغير مبرر اجورهم ، وبناء على ذلك فان كانت الجريمة المنسوبة للمتهم تندرج تحت هذه الجرائم المحددة سلفا جاز التصالح بشانها ، ولكن على أى اساس يتم التصالح فى مثل هذه الجرائم ؟ يجيب المستشار مجدى امين بقوله: يكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء تقوم بتحرير محضر يوقع أطرافه عليه، ويعرض محضر التصالح على مجلس الوزراء لاعتماده ليصبح نافذا ،أى يكون لمحضر التصالح قوة السند التنفيذى فى معنى المادة – 280- من قانون المرافعات، ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح، لتأمرالنيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين، بل يتم رفع وقف تنفيذ العقوبة الذى أمرت به النيابة العامة الى محكمة النقض لتأمر بوقف تنفيذ العقوبة نهائيا ضد المتهمين المحكوم عليهم، ويوضح نائب رئيس هيئة قضايا الدولة الاسبق أن أثر التصالح يمتد الى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم، فيستفيدوه من التصالح دون المساس بمسئوليتهم التأديبية عن الواقعة محل التصالح باعتبارهم من الموظفين العموميين، واخيرا فإنه من الواضح أن المشرع قصد من هذا التعديل تبسيط وتيسير اجراءات التصالح فى مثل هذا النوع من الجرائم لاسترداد ما تم نهبه والاستيلاء عليه من المال العام بمعرفة بعض المتهمين بعد تحقيق الردع العام حفاظا على حق المجتمع.