أول الكلام وطنا أو ملاذا.. بالميلاد أو بالزيارة.. هنا عاشوا، أو مروا، أو احتموا.. هكذا كانت مصر أرض الأنبياء. علي الأرض التي شهدت انبعاث فجر الضمير الانساني، رجح مؤرخون ميلاد نبي الله إدريس بين ربوعها، وثمة روايات تشير لمجيء أبي الأنبياء إبراهيم إلي مصر، أما يوسف ويعقوب فإن القرآن الذي لا يأتيه الباطل أبدا فصل قصتهما مع عزيز مصر، ثم يتفق القرآن مع التوراة في ميلاد موسي وقضائه لجانب من حياته بأرض مصر، وأخيرا كانت الرحلة المباركة للمسيح عيسي، وأمه مريم أطهر نساء العالمين، ورغم أن الروايات لم تتفق علي مدة الرحلة فإن محطاتها رسمت مسارا مقدسا مازالت طرقه ومواقعه محل مباهاة وتقدير كل المصريين المسلم قبل المسيحي. لم يكرم الله مصر فقط ببعض أنبيائه، لكن القرآن الكريم يشير إلي مصريين ومصريات لهم شأن عظيم، مثل أم العرب هاجر، وآسيا امرأة فرعون، ومارية القبطية، وغيرهن، ومن الرجال جاء ذكر مؤمن آل فرعون الذي أختلف في اسمه أهو حبيب أم خربيل؟ ثم سحرة فرعون الذين لم يعرف قدرهم الجهلاء، وكأن كبيرهم في »عام الظلام» لم يقرأ القرآن حيث أشاد باعترافهم بالخطأ دون مكابرة و... و... إنها مصر الزاخرة ببشر احترفوا صناعة الحضارة، وارتقوا فوق الولاءات الصغيرة بتسييد معاني الوطنية، فبنوا الوطن والدولة والنظام والجيش، وكانوا بحق الرواد الأوائل، الذين وعوا أنهم ليسوا سكان أرض، لكنهم عمار وطن يسهرون علي تنميته والذود عنه بالروح. عين مصري لم يدخر جهدا في التعبير عن حبه وهيامه بالوطن الذي كان عبر آلاف السنين شاهدا علي عبقرية انسانه، فكان أن بني الأمة/ الدولة الأولي في التاريخ الإنساني. مصر – تلك – أطلقت العنان لخيالات المؤرخين، وحين غابت الوثائق، أو فقدوا الحيل في فك طلاسمها، نسجوا حولها الأساطير من مدن مستحيلة، إلي بشر ذوي قدرات خارقة، رصدها مؤلفنا عبر فصل ممتع. ................ مصر عبقرية المكان والزمان والانسان هي نفسها مصر أرض الأنبياء، التي خرج من بين أبنائها من كان جديرا بالاشارات القرآنية ولم لا وهي الأمة التي كانت أشواقها للتوحيد سابقة علي الأنبياء والرسالات. موجات الغزاة لم تتوقف إلا أن مصر كانت نزاعة دائما أبدا للاستقلال، ولعل هذه الروح تفسر الكثير من فصول التاريخ وأبطاله، إنها أمة جُبلت علي البناء والاستقرار، فاحتضنت أصحاب الدعوات النبيلة والرسالات السماوية، وكل طامح للخير. .............. لقد سطر المؤلف كتابه قبل ثورة يناير بشهور قليلة، وانتهي منه بعد قيامها بأكثر من عامين، وسوف يلحظ القاريء – كما لاحظت – ما اعتمل في عقل وضمير الكاتب الذي كان واعيا بخطورة الأحداث التي مثلت مقدمات ثورة شعبية، وما تلاها من تداعيات، حتمت علي كل وطني واعٍ بما يدور أن يوظف سلاح القلم والفكر في المعركة التي استهدفت هوية مصر، وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، فكان أن صاغ كتابه، وشعاره »في حب مصر» وحفاظا علي كيانها ومقوماتها ووحدتها في المكان والزمان.