للأسف مازال الإعلام المصري- مقروءاً ومسموعاً ومرئياً- يتعامل بمنطق صنّاع الطرابيش.. يبذل كل إعلامي جهوداً خارقة- أو هكذا يتصور- في إخراج طربوش جميل وبزر، وهو غافل أن زمن الطرابيش انتهي ولم يعد أحد في الدنيا يرتدي الطربوش. للأسف هذا هو حال إعلامنا المصري في عصر الإنترنت والسموات المفتوحة وتدفق الأخبار علينا من كل حدب وصوب.
ولعل التغطية الإعلامية لأحداث ماسبيرو الأخيرة خير دليل علي منطق الطرابيش الذي يتعامل به إعلامنا المصري.. والمتابع لما عرضه التليفزيون المصري وقتها سيدرك تماماً أن الثورة لم تصل بعد إلي جهات عديدة علي رأس التليفزيون ومعظم الصحف القومية والخاصة بل والحزبية. نفس منطق عبادة الفرعون. ذهب فرعون فبحثنا بأنفسنا وبأيدينا عن فرعون جديد لنركع له ونصلي له ونتعبد له! في أزمة ماسبيرو.. عاد التليفزيون وبعض الصحف إلي منطق الطرابيش عرضوا نصف الحقيقة حتي لا يغضب ولي الأمر.. ونسي هؤلاء أن جيلاً بأكمله لا يتابع ما يعرضونه دائماً بضغطة صغيرة علي زر في الكمبيوتر سيعرفون الحقيقة كاملة.
الإعلام وحق المعرفة أصبح في يد الجميع. وإذا كان الإعلام المصري مازال مقتنعاً بمنطق صناعة الطرابيش.. فليعرف المسئولون عن هذا الإعلام العقيم أنهم يحرثون في البحر وسيذهب ما يفعلونه أدراج رياح المعرفة والسموات المفتوحة. هذا الإعلام لم يلتفت حتي للدهشة التي أصابت أعضاء المجلس الأعلي العسكري من عرض فيديو بالكنيسة يدين الشرطة العسكرية في الأحداث.. هذا الفيديو لم يصوره التليفزيون المصري ولا الأجنبي وإنما أشخاص عاديون كانوا في موقع الحدث واستخدموا الموبايل.. ربما يمتلك التليفزيون المصري نسخة منه أو تسجيلاً مماثلاً، ولكن بمنطق الطرابيش وعدم إغضاب المجلس الأعلي العسكري منعوا عرضه أو تجاهلوه.
نفس أسلوب إعلام مبارك. نفس الأشخاص تقريباً، ونفس العقلية المتآمرة علي الشعب بحجة عدم إغضاب الحاكم. والنتيجة الحتمية لأسلوب صناعة الطرابيش هي الفشل المستمر والسقوط الدائم. وبعد كل تغطية وما بها من نفاق واضح وإخفاء للحقيقة يخرج المسئولون عن الإعلام ليقولوا إنها مجرد أخطاء مهينة وسيتم التحقيق فيها.. في حين أن الحقائق واضحة وضوح الشمس لكل من يستخدم الإنترنت ومن اللحظة الأولي.. وللأسف ينطلي هذا الكلام الساذج علي عقول ربات البيوت وكبار السن الذين يجلسون مجبرين علي متابعة هذا الإعلام الكاذب المتآمر في بيوتهم.
يا سادة لقد قامت الثورة من أجل إنهاء الفساد ونشر الحرية. يا سادة الإعلام في بلادنا.. والله والله والله لم يعد أحد يرتدي الطربوش. لماذا أنتم مقتنعون بأنكم تستطيعون أن تحجبوا ضوء الشمس؟ أليس فيكم رجل رشيد؟