للحوار المجتمعي للمصريين في كل نجع وقرية وكل حي ومدينة - يسمع ويري بوضوح تزايد الحديث عن الغلاء والأسعار وفرص العمل والفقر والتعليم والعلاج وغيرها في كل أطياف المجتمع خاصة الطبقات المتوسطة والطبقات الفقيرة الكادحة... وتشكل مساحات العناوين والمقالات التي تُطرَح لموضوعات مثل الفقر، العدالة الاجتماعية، الدعم، التضامن وغيرها أماكن في معظم الصحف ووسائل الإعلام المختلفة... وقد أشرت في مقالات سابقة عن وضع العدالة الاجتماعية علي أجندة العمل القومي المصري . وأتساءل هل ما نسمعه من بعض المسئولين يتناسب مع حجم وأولوية ترسيخ العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري التي يطالب بها الشعب المصري... الإجابة الواضحة هي لا. البعض علي مستوي الحدث ونسبة ليست بقليلة ليست لديها وعي بمتطلبات هذه المرحلة من رؤية ومعرفة وإدراك وقدرة علي سرعة تحقيق أهداف المرحلة . وهذا الزخم من اللقاءات والبرامج والفتاوي التي نتابعها بها جوانب موضوعية ولكن بها أيضا لغط وصوت عال واجتهادات سطحية... هناك فجوة كبيرة بين الحديث والفعل وجزء منه مبرر والجزء الآخر يحتاج الي فكر جديد وروح جديدة وعمل جاد. واسمحوا لي أن نتساءل ما هو هدفنا... هل هو تحقيق العدالة الاجتماعية؟ أم هو تخفيض حدة الفقر؟ أم هو القضاء علي الفقر؟ أم تحقيق أهداف الألفية التنموية (الواضحة)؟ أم هو القضاء علي الدعم لغير مستحقيه؟ أم هو تخفيف معاناة الجماهير؟ أم هو رفع مستوي الخدمات؟ أم هو وقف الاستغلال والانتهازية؟ أم هو مواجهة الفساد والإفساد واستغلال المجتمع؟ أم هو السيطرة علي الزيادة الكبيرة في الأسعار؟ أم هو تخفيض حدة الاتساع بين الغني الفاحش والفقر المدقع؟ أم هو العمل علي فتح أبواب العمل والأمل للمجتمع؟ أم هو بناء المجتمع المتوازن؟ أم هو تأكيد مسيرة وتجانس مجتمع ليبرالي يعمل بآليات وضوابط السوق الحر؟ به عشرات (البليونيرات) وآلاف المليونيرات ومئات الالوف (انصاف المليونيرات) وملايين من لديه ثروات تزيد علي مائة ألف جنيه وهكذا... ولكن لا يوجد فيه فقر مدقع... ولا يوجد فيه استغلال أو تخصيص لثروات المجتمع (دون عدالة وتكافؤ) لحفنة قليلة علي حساب ال 85 مليون مصري . أجندة ترسيخ العدالة الاجتماعية وتخفيض فجوات الفقر هي أهم أولويات مصر... وهي أجندة سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة الأبعاد . وسؤالي الحاكم هو ما: برنامج العمل القومي لترسيخ العدالة الاجتماعية (السلمي)... أين هو؟ إذا كان هو في موضوع الدعم فهذا اختزال كبير في تحد هيكلي هو جزء من - ولاشك فيه - القضية الأكبر... نريد أولا : برنامجا قوميا واضحا يعكس احتياجات المصريين ويصادق عليها ويعبر عن طموحاتهم من خلال المؤسسات والأحزاب الوطنية، وثانيا : نريد عرض خريطة الفقر المصري علي المجتمع وعلي هذه المؤسسات وهي الخريطة التي تم إعدادها في منتصف التسعينيات في مركز المعلومات ودعم القرار كي يشارك كل المصريين في تحديد الأولويات والقضاء علي فجوات التنمية وأتمني أن توضع في الاستخدام الفوري، وثالثا : نريد برامج ومشروعات حول أهداف الألفية تُعلنَ نتائجها كل ثلاثة أشهر علي المجتمع المصري وأتصور أن هذا هو الشغل الشاغل للمجتمع، ورابعا : الاستمرار في برامج تشجيع الاستثمار والتشغيل من اجل إيجاد فرص عمل، وخامسا : التطوير الجذري للتعليم لإدخال المواطن المصري كمنافس في المنطقة العربية والعالم بدلا من التهميش، وسادسا: الارتقاء الجغرافي بالخدمات (في كل المحافظات) وبناء علي خريطة المعلومات الدقيقة بحيث تقل الفوارق في الخدمات (الفرق بين ما يقدم في القاهرة والمحافظات ذات المعاناة) في الصحة والمياه والتعليم وبنية التشغيل وفرص العمل حتي رغيف الخبز والرياضة، وسابعا : تخفيض معدل الزيادة في السكان، وثامنا : تمكين المرأة والطفولة، وتاسعا: مواجهة الفساد والمفسدين، وعاشرا : ترسيخ واحترام القانون وتأمين الشارع المصري، وحادي عشر : ترسيخ الديمقراطية، وثاني عشر: نشر مفاهيم العدالة الاجتماعية لخطاب إعلامي وثقافة وممارسة ومحبة وإنسانية... آن الوقت لصياغة برنامج عمل قومي وتنفيذي للعدالة الاجتماعية للتحول من فلسفة تصاغ في كل الدساتير إلي حياة يومية تسعد المصريين .