يمثل صوت العقل والحكمة وسط حالة من العبث والرشد المفقود باتت تسيطر علي المشهد المصري .. لم يعد أحد ينظر لأبعد من موضع قدميه ..لا نتقارب ولا نتحاور ..نجهل الدين والمنطق والحكمة والإتزان دون أن ندرك أننا نعجل بنهاية الأوطان. من هنا تأتي أهمية هذا الحوار مع المفكر المصري الدكتور أحمد جمال الدين موسي وزير التعليم الأسبق عقب توليه رئاسة حزب مصر ليضع النقاط فوق الحروف حول الكثير من القضايا المتعلقة بالأداء الحزبي والسياسي في مصر. وفي هذا الحوار يؤكد علي أن الأحزاب المصرية ستواجه صعوبات بالغة في الإنتخابات القادمة لإنشغالها بالصراع عن الإلتحام بالجماهير.. وحذر من التلكؤ في اتخاذ خطوات جادة لتحقيق المصالحة الوطنية ومن تكرار خطأ الإقصاء حتي لانظل ندور في حلقات مفرغة. وطالب بالتوقف عن التشدق بالشعارات الجوفاء وتحميل القوي الخارجية والداخلية الماضية تبعة كل الأخطاء دون أن ننظر بصدق داخلنا ونكف عن الخطاب المخادع الأجوف ونبدأ الخطوات الأولي الصادقة والجادة للإصلاح المؤسسي الجذري الذي لامفر منه. كما طالب القوي السياسية بالموضوعية والحرص علي تنفيذ خارطة الطريق بإعتبارها أفضل المتاح في الوقت الراهن. وأشار إلي أن حزب مصر لم يكن في يوم ما حزبا دينيا ولم يكن له صلة مباشرة أو غير مباشرة بأي تيار إسلامي .. وأن معظم قيادات الحزب شابة وهم يلعبون الدور الرئيسي في الإنتشار بالقري والمدن. في البداية سألت الدكتور أحمد جمال : لماذا كان اختيارك هو الانضمام لحزب مصر ؟ وجودي في حزب مصر بدأ بدعوة من الدكتور عمرو خالد بإعتباري عضوا مؤسسا بمجلس أمناء مؤسسة صناع الحياة منذ ماقبل 25 يناير .. وقد وجدت منذ إنضمامي للحزب جوا متفهما لما أومن به من أفكار أساسية وهي : أهمية السعي للتركيز علي التنمية والبناء والإصلاح ومن هنا جاء شعار الحزب الذي إقترحته: (معا لبناء المستقبل ) لأنني كنت أجد أن الجميع سواء القوي السياسية أو المنابر الإعلامية يركز علي الماضي وماينسب إليه من أخطاء وقصور وفساد علي حين كنت أري أن تلك أمور يختص بها القضاء ويجب أن تترك له وأن ننصرف بكل جدية لتحسين أوضاعنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية تحقيقا لأهداف الثورة وتأكيدا علي أن مستقبل أجيالنا القادمة أمانة نتحملها ولابد أن نترك بلادنا في وضع أفضل مما كانت عليه في الماضي. اختيار المكتب السياسي وماهي آلية إختيارك رئيسا للحزب خاصة في ظل التضارب حول أسباب ترك عمرو خالد لرئاسة الحزب؟ كان الدكتور عمرو خالد يسعي منذ شهور للتفرغ للدعوة والتخلي عن رئاسة الحزب وكنت وزملائي نحاول إقناعه أن يؤجل هذا القرار لنهاية العام وإنعقاد المؤتمر العام للحزب لكنه منذ حوالي شهر أصر علي الإستقالة خاصة بعد الوعكة الصحية التي مر بها. وإنعقد المكتب السياسي للحزب..وقبل هذه الإستقالة ثم عرض الأمر علي الهيئة العليا للحزب التي كلفتني بتولي المهام ..وأتمني أن أحسن أداءها لحين عقد المؤتمر العام للحزب . البعد عن الغلو لكن ماهي الأولويات التي ستركز عليها خلال الفترة القادمة في ظل تلك الظروف المتشابكة ؟ الأوضاع التي يمر بها الوطن تنعكس بشدة علي الحزب .. فكما تري أن هناك تفاوتا كبيرا في وجهات النظر وفي الرؤية بين مختلف الأحزاب والقوي السياسية . وحزب مصر بطبيعته حزب وسطي يبعد عن الغلو في توجهاته وبالتالي يسعي للمصالحة الوطنية والتقريب بين وجهات النظر لصالح الوطن مع ترك كل مايتعلق بما ينسب للبعض من مخالفات أو جرائم للقضاء بحيث لايؤثر علي المسار السياسي للوطن . ويستطرد قائلا : بأن هناك أولوية داخل الحزب الذي يضم عددا كبيرا من الشباب الذي يؤمن بأن مصر تحتاج لجهود حقيقية للبناء والتنمية أكثر مما تحتاج لمواقف متشنجة أو متعصبة. وماهو موقع الشباب في الحزب ؟ معظم قيادات الحزب قيادات شابه ..فأمين التنظيم وأمين العضوية والمتحدث الرسمي من الشباب علاوه علي عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا من الشباب من الجنسين ويلعبون الدور الرئيسي في جذب الشباب . لكن البعض إتهم الحزب بأنه كان أحد أذرع الإخوان ؟ أؤكد لك بأن حزب مصر لم يكن في يوم من الأيام حزبا دينيا ولن يكون منذ البداية كنا في منتهي الصرامة ومن يراجع البيان الرئيسي يجد أنه حزب مدني مرجعيته مصرية فالحزب لم يكن له صلة مباشرة أو غير مباشرة بأي تيار إسلامي وأي قول غير ذلك غير صحيح علي الإطلاق وبياناتنا خلال الفترة السابقة تؤكد علي أن تلك الإدعاءات لاأساس لها من الصحة. المهم خارطة الطريق وكيف ينظر الحزب للوضع السياسي الراهن في مصر ؟ في ظل ظروف مصر في الوقت الراهن ربما تمثل خارطة الطريق أفضل المتاح وأكثرها قابلية للتطبيق بشرط إحترام الجميع لمكوناتها مع إستمرار السعي نحو الحوار والتصالح الوطني. ويجب السعي لإختيار لجنة ال50 بموضوعية لتشمل كل ألوان الطيف المصري عقب إنتهاء لجنة ال10 من عملها . حتي ينتهي الأمر بوضع دستور متوازن يحظي بأغلبية آراء المصريين في إستفتاء نزيه ويمكن البناء علي ذلك بالإتجاه نحو الخطوة التالية وهي انتخابات برلمانية حرة نزيهة تتيح الفرصة لتمثيل يعبر عن إختيارات المصريين ويلي ذلك الإنتخابات الرئاسية التي نتمني أن يتقدم لها أفضل الشخصيات ليختار الشعب من بينها رئيسا نتمني أن تكون صلاحياته ليست واسعة وهذا مايتعين تضمينه بالدستور الجديد. التحلي بالموضوعية وكيف نضمن نجاح خارطة الطريق وإجتياز مصر لتلك المرحلة الدقيقة ؟ خارطة الطريق يفترض لنجاحها أن تتحلي كل القوي السياسية بقدر من الموضوعية وألا تبالغ في التمسك بمطالبها وألا تسعي لإقصاء الآخر وأن يتوافر القدر اللازم من إحترام القانون والسعي لإستتباب الأمن لأنه بدون ذلك يصعب تحقيق أي إنجاز علي المستوي السياسي أو المستوي الإقتصادي. وهل يمتلك الحزب رؤية متكاملة للدستور الجاري إعداده ؟ نعم .. الحزب تقدم بالفعل بمقترحات محددة للجنة ال10 لتفادي العوار بدستور 2012. إقرار اللامركزية وما أهم هذه المقترحات؟ تتلخص تلك المقترحات في التخلص من بعض النصوص التي ستفتح المجال لخلافات لامبرر لها وعلي سبيل المثال مايتعلق بتحديد المرجعية للشريعة الإسلامية إذ يكفي أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. كما تتناول المقترحات أهمية إقرار نظام اللامركزية ليتسني إنتخاب جميع القيادات المحلية بالقائمة النسبية حتي نرسخ لدي المواطن مسؤليته عن إدارة شئونه وإختيار قياداته للنهوض بالأوضاع المتردية علي المستوي المحلي وهو الطريق الذي سارت فيه جميع الدول المتقدمة. كما تم إقتراح بنود التي تحسن من النصوص المتعلقة بالإقتصاد والميزانية العامة والحقوق والحريات ومن بينها: المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو التوجهات أو الآراء السياسية أو الدينية. (2) يحق لكل مصري علي قدم المساواة أن يشغل أي منصب عام وفقا لاستعداده ومؤهلاته وانجازاته المهنية. (3) للرجل والمرأة حقوق متساوية في الوظائف والمسئوليات العامة، وتتبني الدولة الإعمال الفعلي لحقوق المرأة والرجل المتساوية، وتتخذ خطوات جادة لإلغاء أوجه التمييز القائمة. كذلك تم إقتراح بعض المواد المتعلقة بمجلس الشوري والمحكمة الدستورية وغيرها وجميعها تحت نظر لجنة ال10 الآن. بناء القواعد الحزبية لكن هل تعتقد أن الأحزاب المصرية قادرة علي كسب ثقة المواطن المصري خلال الإنتخابات القادمة؟ لاشك أن جميع الأحزاب الموجودة علي الساحة المصرية الآن قد تعرضت لهزة كبيرة في الفترة الأخيرة حيث لم يعد للبناء الحزبي الأولوية الأولي حيث إنشغل الجميع بالوضع العام علي حين أن التخطيط للإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة كان يقتضي العكس وأن تهتم الأحزاب ببناء قواعدها الحزبية في المحافظات المختلفة وهذا هو العمل الجاد الذي يتجاوز مجرد التواجد الإعلامي الذي يكون تأثيره عادة في الإنتخابات أقل أهمية من التواجد الواقعي في القري والأحياء المختلفة. المصالحة ضرورة حتمية وكيف ينظر حزب مصر لقضية المصالحة الوطنية؟ لا أتخيل أننا يمكن أن نضمن مستقبلا مشرقا لمصر بدون مشاركة من كافة المصريين لصنع هذا المستقبل ومن ثم فإن المصالحة ضرورة لاغني عنها أيما كانت إنتماءات الجميع. ويستطرد الدكتور أحمد جمال الدين موسي قائلا: كما لاأتصور أنه يمكن أن نقع في ذات الخطأ الذي وقع فيه البعض خلال الفترة السابقة وهو إقصاء بعض المصريين تحت دعاوي ومسميات مختلفة. لكن تحقيق المصالحة يقتضي من المسئولين عن إدارة شئون البلاد في الوقت الراهن تقديم خطة واضحة لخطوات هذه المصالحة .ويجب أن تكون مقبولة من القوي السياسية الفاعلة علي إختلاف مسمياتها ولدينا في الحكومة وزير مختص نرجو أن نري مقترحاته في أسرع وقت. آفة غياب الرؤية لكن البعض يعترض علي فكرة المصالحة من الأساس علي إعتبار أن هناك ممارسات فصيل بعينه تسير عكس هذا الإتجاه ؟ لابد من التأكيد علي أن فكرة المصالحة لاتعني علي الإطلاق أن يفلت من إرتكب جرائم من العقاب لكن هذا أمر يجب أن يترك للقضاء- كما سبق وأن ذكرت- وهناك بعض التوجهات في الإعلام التي تعترض علي المصالحة وتدعو لإستمرار سياسة الإقصاء .. كما أن هناك توجهات أخري لاتقبل بالمصالحة إلا بعد العودة لوضع يستحيل العودة إليه. وفي رأيي أن كلا التوجهين لايشجع علي بناء المستقبل ولايحقق تطلعات الغالبية العظمي من المصريين الذين يسعون للتخلص من ثقل الماضي والإنطلاق لتحسين أوضاعهم وضمان وضع أفضل لأبنائهم وأحفادهم. وأكد علي أنه لايوجد منتصرون أو منهزمون بين أبناءالوطن الواحد.. وهناك بالتأكيد إجتهادات تتراوح بين النجاح والفشل ولابد من الإعتراف بأن غياب الرؤية هو آفة الحياة المصرية المعاصرة في العقود الأخيرة أيامن كان من يتصدي للقيادة والسبب أننا نهرب من حتمية الإصلاح الجدي والمؤلم ونتحجج بشماعات خائبة ونتلحف بشعارات جوفاء. وفي النهاية يطالب الدكتور أحمد جمال بالتوقف عن التشدق بالشعارات الجوفاء وتحميل القوي الخارجية والداخلية الماضية تبعة كل الأخطاء دون أن ننظر بصدق داخلنا ونكف عن الخطاب المخادع الأجوف ونبدأ الخطوات الأولي الصادقة والجادة للإصلاح المؤسسي الجذري الذي لامفر منه وهذا مالايمكن أن ننجح فيه قبل تحقيق المصالحة المنشودة.