يخطئ الأقباط إذا تصوروا أن تعيين جمال أسعد عضواً في مجلس الشعب يمكن أن يؤثر سلباً في ملف مشاكلهم التاريخية في ضوء مواقفه المعروفة من الكنيسة. فلا جمال أسعد ولا 100 شخص مثل جمال أسعد يمكن أن يؤثروا قيد أنملة في هذه القضية المزمنة. صحيح أن اختيار هذا الشخص تحديداً ضمن الأعضاء المعينين يحمل علامات استفهام كبيرة.. فالرجل عضو بارز في حركة كفاية. والكل يعلم الموقف الرسمي علي أعلي مستوياته من هذه الحركة. ولا يمكن تفسير تعيينه بالمجلس بأنه يمثل بادرة لمد الجسور بين الحركة والنظام. خاصة أن كليهما يقف علي طرف نقيض من الآخر. إذن هناك أسباب أخري للدفع بجمال أسعد ليس من بينها أنه رجل صاحب مشروع سياسي أو رؤية فكرية. والأقباط محقون حين ينظرون بشيء من عدم الارتياح لاختيار أسعد. ثم لماذا نذهب بعيداً.. وقد قالها الرجل صريحة واضحة كاشفة في حديثه للزميلة صوت الأمة حين اعترف بأن اختياره جاء كيداً في الكنيسة والأقباط.. عموماً هو الذي قالها ولم آت بشيء من عندي. وأيا كانت التفسيرات والدوافع والرسالة التي يحملها قرار تعيينه فإننا لايجب أن نتوقف عند هذه النقطة كثيراً. لأن حل مشاكل الأقباط لن يتأخر بدخول جمال أسعد مجلس الشعب. ولن يشهد انفراجة إذا دخل المجلس 100 نائب يتبنون عكس ما يقوله جمال أسعد. فمشاكل الأقباط معروفة وواضحة ولا يجب أن ننتظر قراراً بحلها من مجلس الشعب. فالأمر في يد القيادة السياسية وحدها ولا أحد غيرها. ثم متي رأينا مجلس الشعب يبادر من تلقاء ذاته بتقديم الحلول للمجتمع؟ ومتي رأينا نواب المجلس يستخدمون حقهم الدستوري ويبادرون بسن التشريعات من تلقاء أنفسهم ودون أن ينتظروا إحالتها لهم من الحكومة؟ أغلب مشروعات القوانين التي يقوم المجلس بتمريرها "وأكرر تمريرها" تأتي إليه بمبادرة من الحكومة التي تتلقاها من الحزب الوطني. كما أن نواب المجلس وإن كانوا يستخدمون حقهم النظري في مناقشتها والتعليق عليها. فإن دورهم في النهاية يقف عند حد إبداء الرأي. أما القرار فهو للمنصة.. والمنصة تعرف حدودها جيداً ولا يمكن أن تتجاوز ما تراه السلطة التنفيذية خطوطاً حمراء. ولذلك لا أري مبرراً لحالة التشاؤم التي انتابت الأوساط القبطية من تعيين جمال أسعد بالمجلس. والأقباط لا يجب أن ينزعجوا مما يمكن أن يقوله الرجل تحت قبة البرلمان. بعد كل ما اعتادوا أن يسمعوه ويقرأوه عنه في مختلف وسائل الإعلام وهو الذي سبق أن دخل المجلس سنة 1987 علي قوائم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. إن قضية جمال أسعد عبدالملاك لا تتجاوز أكثر من أن هذا الرجل لديه سلعة يجيد تسويقها. ومن حسن حظه أن هذه السلعة وجدت في مجتمعنا من يحتفي بها ويشتريها. وكانت المحصلة أن الرجل أصبح له حضوره الدائم وتواجده المستمر في برامج الفضائيات والصحف الخاصة والمستقلة. المشروع الفكري لجمال أسعد أن صح التعبير لا يخرج عن إنكار حقوق الأقباط واتهامهم بالتطرف والاستقواء بالخارج. وأيضا اتهام الكنيسة بممارسة دور سياسي وفرض وصايتها علي أولادها. كما أن جزءاً أساسياً من أركان مشروعه يرتكز علي فكرة أن كل أقباط المهجر هم عبارة عن مجموعة من الخونة الذين يتآمرون ضد بلدهم ولا يضمرون له سوي الشر. غير أن جمال أسعد لا ينسي في محاولة منه لكي يضفي علي كلامه مسحة من المصداقية أن يلمح من طرف خفي ومن بعيد لبعيد إلي وجود بعض المشاكل التي يعاني منها الأقباط. غير أنه لا يتمادي في هذا التلميح أكثر من كلمة "علي الطاير" ذرا للرماد في العيون.. ليعاود هجومه علي الأقباط وتحميلهم وتحميل الكنيسة مسئولية ما يشكون منه. هذا "الكوكتيل" الذي يقدمه جمال أسعد صادف قبولاً لدي كثير من الزملاء المسئولين عن إعداد البرامج الحوارية في عدد من الفضائيات وغيرهم من المعنيين بالشأن القبطي. فكان للرجل ما أراد. ليت الأقباط يدركون أن المسألة أعمق بكثير من جمال أسعد. وأنه سواء دخل البرلمان عشرة نواب من نوعيته أو دخله عشرة ممن يقفون علي النقيض منه. فالمجلس لا يملك لهم شيئاً. والمسألة في النهاية مجرد كلام في كلام. [email protected]