يقول أحد الساسة الانجليز: لا توجد معارضة تكسب الانتخابات ولكن توجد حكومة تخسر الانتخابات.. فإذا كانت نتيجة الانتخابات فوز المعارضة فإن النتيجة الحقيقية هي خسارة الحكومة.. والذين يعطون أصواتهم للمعارضة إنما يعاقبون الحكومة.. ليس حباً في علي ولكن كراهية في معاوية.. والتصويت للمعارضة تصويت انتقامي ضد الحكومة.. والذين يتجشمون عناء الذهاب لصناديق الاقتراع من تلقاء أنفسهم لابد أنهم ذاهبون للتصويت ضد الحكومة.. هذا يحدث في العالم كله.. الناس في كل الدنيا لا يصوتون لبرامج حزبية.. ولكنهم يصوتون ضد أداء الحكومة.. وكل حكومة تفوز باكتساح تظهر استطلاعات الرأي تدني شعبيتها بعد أقل من شهر من جلوسها علي مقاعد الحكم.. والمعارضة مثل العشيقة والحكومة مثل الزوجة.. وإذا تنافست العشيقة والزوجة في أي انتخابات فإن الفوز للعشيقة لا محالة.. الناس يأتون بمن يحكمهم عبر صناديق الاقتراع ثم يكرهونه فور فوزه.. وكل حزب في الدنيا يظل محبوبا إلي أن يحكم فيصبح مكروها.. تماما مثل المرأة تظل أجمل وأحلي النساء وأحبهن إلي أن تصبح زوجة.. ولم يحدث في أي وقت ولا في أي مكان أن اشتكي رجل من عشيقته أو اشتكت امرأة من عشيقها.. لكن نفس العشيق يصبح أسوأ الناس عندما يكون زوجا.. ومرآة الحب عمياء مع العشيق فقط.. حيث لا عيوب ولا سلبيات فيه.. ومرآة الكراهية عمياء مع الزوج حيث لا مميزات ولا خير فيه.. والشعوب في الدنيا كلها مثل الرجل "المبصبصاتي".. يري كل النساء أجمل من زوجته.. لذلك تبصبص الشعوب علي المعارضة وتطاردها وتعاكسها بينما تكره الحكومة التي هي الزوجة ولا تعطيها "ريق حلو".. وعندما تنجح الشعوب في معاكسة المعارضة واصطيادها والزواج منها.. تنصرف عنها "وتبصبص" علي عشيقة أو معارضة جديدة.. الحرام دائما طعمه حلو.. والحلال "ماسخ".. والشعوب مثل الرجال والنساء نفسها مفتوحة للحرام.. وفقد ت الشهية للحلال.. زمان قال أحد "بتوع النسوان" ان الحرام مثل الأكل "المسبك" الدسم قد يكون ضارا ولكنه مغر ولذيذ.. والحلال مثل الأكل المسلوق صحي ومفيد ولكنه بلا طعم. والشعوب أدمنت الحرام وغير الشرعي نكاية في الحكومات أو نكاية في الأزواج والزوجات.. والمرأة المنحرفة لا تمل معاشرة رجل "معفن" في الحرام بينما تمل بسرعة معاشرة زوجها الوسيم والقسيم.. والرجل المنحرف يبذل جهدا خارقا للإيقاع بخادمة أو بائعة جائلة أو عاملة نظافة "مقرفة" بينما ينصرف عن زوجته الأنيقة الجميلة "بنت الناس الأكابر".. الشهية مفتوحة علي البحري للحرام ومغلقة بالضبة والمفتاح أمام الحلال. وكذلك الشعوب تتعلق بمعارضة تافهة وسطحية وبلا رؤية ولا فكر ولا قيمة وتعزف عن حكومة رشيدة ومخلصة.. والرجل لا يجد حرجا في وصف مفاتن وجمال ورقة عشيقته.. بينما يجد حرجا جدا في الإشادة بزوجته. وكذلك تفعل المرأة.. ولم أجد رجلا حتي الآن يقول انه سعيد في زواجه ولم أجد امرأة تقول ذلك.. لكن الرجل والمرأة يحرصان علي إعلان سعادتهما بالعشيق ومعه.. الناس كلهم سعداء في الحب.. لكنهم يقولون انهم تعساء في الزواج.. والناس في أمة العرب عموما يسمون الزوجة الحكومة إمعانا في إظهار التيرم منها.. وليتهم بالمرة يسمون العشيق المعارضة امعانا في إظهار الحب له.. والرجل والمرأة يتوددان للعشيق بذم الزوج وإظهار التعاسة معه.. وكل منهما يؤكد حبه للآخر بإعلان الكراهية للزوج أو الزوجة.. وكذلك تفعل الشعوب فهي تذم الحكومة لاظهار الحب للمعارضة.. والشعوب أيضاً تخجل من إظهار الرضا عن الحكومة بينما تجاهر بإعلان الرضا عن المعارضة.. الشعوب تشكو الحكومة وتشكر المعارضة. وعلاقة الشعوب بالمعارضة مثل علاقة العاشق والمعشوق قائمة علي الكلام "والزواق" والتحليق في الخيال بينما علاقة الشعوب بالحكومات مثل علاقة الزواج حيث لا وقت للخيال وإنما للواقع والحسابات والمشاكل والمصاريف والكد والجري من أجل الأولاد وآخر الليل "يتخمد" الزوج أو "تتخمد" الحكومة وقد أهلكها التعب.. لا غزل ولا كلام حلو ولا سينما ولا ناد.. ولا كورنيش.. وفي نهاية المطاف تزهق الشعوب وتجري خارج البيت بحثا عن المعارضة أو العشيقة وتتحجج مثل العاشق بأن الزوجة "ريحتها بصل وثوم.. وهدومها متبهدلة.. ولا تهتم بمظهرها.. وتخنت وبقت فشلة".. المهم ان العشيقة دائما رشيقة والزوجة دائماً "عوجة"!! * * * * كل يوم حكم يزيد الهوة بين الشعوب والحكومات.. تماما مثل كل يوم زواج يزيد التباعد بين الزوجين ولا توجد انتخابات حرة في العالم كله لكن التزوير يختلف من بلد إلي آخر.. هناك بلدان تزور الصناديق والأصوات وبلدان أخري تزور الناخب نفسه وارادته.. وبلدان ثالثة تمارس التزوير والتزييف والكذب في الدعاية.. أي لابد من تزوير بأي طريقة وبأي شكل.. ووعود المرشحين مثل وعود العشاق.. مجرد كلام وردي.. أو كلام ليل مدهون بزبدة يطلع عليها النهار تسيح.. فإذا وقع الزواج تبخر كل ذلك مع أول ضوء لشمس الحقيقة والواقع.. واصطدمت الوعود بصخرة التطبيق مثل د. يوسف بطرس غالي الذي قال لأهل شبرا أي لناخبيه في حملته الدعائية "حاجيب لكم لبن العصفور".. ومعني العبارة انه "موش حيجيب حاجة حيث لا يوجد لبن لأي عصفور في العالم".. وعندما فاز قال: "لو راجعنا الضريبة العقارية فسوف نضاعفها".. وعندما تحدث عن لبن العصفور كان ذلك وهو مرشح أي وهو عاشق.. وعندما تحدث عن زيادة الضريبة العقارية قال ذلك وهو وزير أو وهو زوج.. كلام العشاق شيء وكلام الأزواج شيء آخر.. والمرأة أو الرجل لا يمكن أن يكونا الاثنين معاً.. فإما عاشق وإما زوج.. وكل الزوجات لسن عشيقات وكل العشيقات لسن زوجات. والانتخابات أصبحت عملية باهظة التكاليف ولا يترشح فيها إلا الأغنياء ولا يفوز بها إلا الأغني من الأغنياء.. فالغني يترشح لكن الأغني هو الذي يفوز.. والفقراء في كل الأحوال يصوتون أو يهتفون وهم "يدوبك" ناخبون فقط.. والمرشح مثل العاشق يصرف دم قلبه علي عشيقته.. والفائز مثل الزوج يعير زوجته بملاليم صرفها عليها.. المرشح مثل العاشق يقترض لارضاء عشيقته.. والفائز مثل الزوج يسرق "مصاغ زوجته" ليعوض ما صرفه أثناء فترة الخطبة أو العشق.. والمرشح مثل العاشق لا يفاصل ولا يساوم وهو يشتري لعشيقته ما تريد.. والفائز مثل الزوج يفاصل ويساوم ويسوف وفي النهاية لا يشتري شيئا.. والمرشح مثل العاشق تراه كل يوم مع عشيقته يجلس معها بالساعات.. والفائز مثل الزوج لا تراه زوجته إلا شبحا بحجة انه مشغول بينما هو يقضي الوقت مع عشيقة أخري. وكل الأزواج يقولون ان الزواج مشروع اجتماعي فاشل.. ومعني ذلك ان الانتخابات مشروع سياسي فاشل.. والمرشح والناخب أثناء العملية الانتخابية مثل العاشقين.. وبعد الفوز يصبحان مثل الزوجين.. فالانتخابات فترة خطبة مليئة بالكذب والتمثيل والوعود والضحك علي الذقون.. والفوز بها هو "الدخلة أو الزفاف" وسرعان ما ينصرم شهر العسل "وتروح السكرة وتيجي الفكرة" وتتداعي الوعود وتنهار الأكاذيب. وهناك فقراء مدمنو ترشيح ومدمنو سقوط أيضاً.. فالانتخابات في العالم كله أصبحت موسما تروج فيه البضاعة الكاسدة والسلع "المتخزنة" والمنتهية الصلاحية.. وفي هذا الموسم يكون رزق الهبل علي المجانين ولا أحد يعرف بالضبط من "الأهبل" ومن المجنون.. هل المجانين هم المرشحون والبلهاء هم الناخبون.. أم أن الناخبين هم البلهاء.. وان المرشحين هم المجانين. * * * * وفي أمة العرب يكون نظام الانتخاب أكثر فشلا منه في أي أمة أخري لان الأمة العربية مريضة بالشخصنة ولا تقيم وزنا للموضوع أو القضية أو البرامج.. فالعرب يختارون أسماء لا أفعالا.. ويختارون جثثا لا برامج ولا قضايا.. والأحزاب في أمة العرب أضعف من أعضائها وقادتها.. بل ان الأحزاب تتقوي بأعضاء وليس الأعضاء هم الذين يتقوون بالأحزاب "يعني العضو يشيل الحزب وليس الحزب هو اللي يشيل العضو".. والناخب لا يختار حزبا ولا برنامجا وإنما يختار شخصا.. والناخب لا يعطي صوته لعقل المرشح ولكن يعطي صوته لجيب ومحفظة المرشح.. والانتخابات في العالم كله وخصوصا في أمة العرب يفوز بها أسوأ الناس وأكثرهم هبالة وشيطنة.. والنتيجة في الحالتين واحدة.. سواء تركت الانتخابات حرة أو تم تزويرها.. فالناخب يختار بارادته الأسوأ والتزوير يتم لصالح الأسوأ والذي يراهن علي صوت الناخب "عبيط".. والذي يراهن علي الفوز بالتزوير "أعبط منه".. والانتخابات في العالم كله لا يفوز بها الفقراء ولا يفوز بها المحترمون.. وإنما يفوز بها الأغنياء والحواة سواء بصوت الناخب أو بتزوير الصناديق. والشخصنة أفسدت كل شيء في الأمة العربية إذ لم تعد هناك قيم ولا مبادئ ولا قضايا ولا مناهج.. وكل قول يكون كاذبا أو صادقا من خلال حبنا أو كراهيتنا لمن قاله.. ونحن نتقاتل ونموت ويزهق بعضنا أرواح بعض من أجل أشخاص لا من أجل مبادئ وقضايا.. وقد أضعنا أعمارنا "علي الفاضي" ونحن نقارن بين زعماء ورؤساء وملوك ووزراء أيهم أفضل.. حتي قلنا يوما ان الاحتلال علي يد سعد زغلول خير من الاستقلال علي يد عدلي يكن ونحن نضيع الوقت في المقارنة بين السابق واللاحق ونختلف ونتعارك.. ولا نقارن بين مناهج ورؤي ومبادئ لان السابق واللاحق ليست لديهما مبادئ.. ونحن نقارن بين الزعماء والقادة والوزراء من خلال سماتهم الشخصية وأجسامهم ووجودهم وعيونهم ولا نقارن بين أساليبهم وأهدافهم وبرامجهم.. لذلك ينشغل من يحتلون المقاعد باقناعنا بصفاتهم الشخصية لا ببرامجهم.. ولذلك يشطب اللاحق ما كتبه السابق ولا يضيف له سطرا ولا يكمل البناء. والعرب "غاويين" علي ما يبدو عبادة الأصنام التي تحولت من حجارة إلي لحم ودم.. حتي عندما تمذهبنا أصبحنا منحازين إلي أشخاص لا إلي مناهج.. وخلاف السنة والشيعة خلاف علي درجات الصحابة وترتيبهم البروتوكولي وليس علي قضايا.. كذلك تمذهب المسيحيون ونسبوا كتاب الله المقدس الإنجيل إلي أكثر من شخص لتختلف الأناجيل باختلاف الأشخاص.. والخلاف علي الأشخاص جعل المذاهب أدياناً متناحرة.. وزمان كان الخلاف بين أنصار المذاهب الأربعة يصل إلي حد المعارك الدامية.. وكذلك الخلاف علي الطرق الصوفية ليس سوي خلاف علي أشخاص.. طريقة فلان وطريقة "علان". والشخصنة "أس" الفساد في هذه الأمة التي ارتبط مصيرها بأمزجة وأهواء الأشخاص.. والشخصنة عندما تزيد علي الحد تتحول إلي شرك بالله.. والمشرك هو من يعبد الله ولكنه يعبد معه إلهاً آخر والإله الآخر في امتنا هم الأشخاص فنحن نقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. لكن الشعار الذي نطبقه فعلا هو لا طاعة للخالق في معصية المخلوق. والشخصنة هي التي أفشلت كل النظريات والمناهج والمذاهب بل حتي انها أفسدت الأديان ذاتها لأننا مشركون سواء علمنا أو جهلنا فنحن نأتمر بأمر المخلوق ولا نأتمر بأمر الخالق وعبوديتنا للأشخاص أضعاف أضعاف عبوديتنا لله. * * * * وداء الشخصنة أفسد الانتخابات وأفسد الامتحانات وأفسد الدوري العام والكأس وأفسد المهرجانات والمسابقات والجوائز.. وقد قلت يوما ومازلت أقول ان الأمة العربية لا تصلح لها المنافسة والمسابقات لان الأشخاص يفسدون كل شيء بقدرتهم علي شراء الأصوات وشراء الامتحانات وشراء الجوائز والأقلام والذمم.. كل شيء في هذه الأمة تحركه الشخصنة التي تتناقض تماما مع الشرف والنزاهة والشفافية وتدار الأمور بالوساطات والمحسوبيات والرشاوي والخواطر وتفصيل المناصب علي مقاس أشخاص معينين.. لذلك يشيع التزوير والتزييف والتلفيق ويصبح كل شيء في غير مكانه فالسجناء مظاليم ينبغي أن يكونوا أحرارا والأحرار مجرمون ينبغي أن يكونوا السجناء.. لان الأشخاص أعلي من القانون وأعلي من الدين وأعلي من المبادئ والقيم والمثل والقضايا.. الحلال ما أحلوا والحرام ما حرموا.. ومع تفشي الشخصنة لا ندري ما الذي يصلح لنا.. هل تصلح لنا الديمقراطية أم الديكتاتورية؟ الانتخاب أم التعيين؟.. الاشتراكية أم الرأسمالية؟ الحرب أم السلام؟ وكل ما أعرفه ان العشيقة الرشيقة تفوز علي الزوجة العوجة.. وتنتهي الهوجة وتنكسر الموجة. نظرة نحن نرقص ونغني ونهتف في المولد وهم يأكلون الحمص.. نحن المريدون وهم الأولياء الصالحون.. نحن نجد "العضم في الكرشة".. لأننا قليلو البخت.. بينما الحظ والبخت والتخت لصاحب اليخت.. في أمة العوالم.. نحن نرقص وهم "يلمون" النقوط.. لهم الفوز والارتفاع ولنا الخسران والسقوط. خرج الغلابة من المولد بلا حمص هيصة وزيطة .. لا باين شيخ ولا قمص مافضلش غير العضم ليك يا جعان أهي حاجة أحسن من بلاش .. قوم مص عربي!! [email protected] [email protected]