الناس في بلادي مهتمون كثيراً بانتخابات مجلس الشعب القادمة. بعض الأحزاب مثل الوفد تريد ضمانات كافية لتشترك في الانتخابات.. وهذه الضمانات باختصار هي أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وبلا تزوير. وحزب مثل الجبهة يرفض الاشتراك في الانتخابات لأنه يعرف أن الانتخابات لنزاهتها لن تزور. والإخوان المسلمون رغم نية الحكومة بألا يشتركوا وإصرار أحزاب علي اشتراك الإخوان قرروا الاشتراك فهم يعرفون أن مقاطعة الانتخابات لا قيمة لها ستجري الانتخابات بدونهم وهم يريدون أن يكون لهم دور في الشارع ويثقون بأن عدداً منهم سينجح ويفوز رغم كل شيء. وبعض الأحزاب تريد المشاركة ولكن لا تجد لديها مرشحين يملكون الأموال اللازمة لصرفها علي الانتخابات. وفي وسط هذا الجدل الدائر بلا نتيجة خرجت السيدة رانيا المالكي رئيسة تحرير صحيفة "ديلي نيوز" اليومية الناطقة باللغة الانجليزية تقول ما معناه: أنتم تتكلمون عن الانتخابات وتنسون أنه لا يوجد ناخبون. والسؤال: كيف لا يوجد ناخبون وعدد السكان 80 مليوناً والمقيدون بالجداول أكثر من 31 مليوناً؟! ولكن السيدة رانيا قالت: في انتخابات عام 2005 عدد الذين أدلوا بأصواتهم 9 ملايين. وفي انتخابات مجلس الشوري الأخيرة لم يتجاوز 4 في المائة من المقيدين بالجداول. ومعني ذلك أن الناخبين حقيقة لا يمثلون شعب مصر لأنهم قلة ضعيفة. ومن هنا ينطلق سؤال: مادام لا يوجد ناخبون فالشفافية أو النزاهة أو العدالة لا قيمة لها لأن معظم الشعب لا يذهب إلي لجان الانتخاب ولا يضع صوته في الصناديق. وعلي هذا الأساس يجب أن نبحث عن الوسيلة التي نغري بها الشعب علي أن يصوت في الانتخابات ونبحث بعد ذلك عن الضمانات لنزاهة هذه الانتخابات. * * * والآن.. ما هو الباب الأول لتزوير الانتخابات؟! إنها جداول الانتخابات. عندما يولد طفل يقيد اسمه في دفاتر المواليد وعندما يصل إلي سن الثامنة عشرة ينقل اسمه إلي جدول الانتخابات ومن يقيده في هذه الجداول لا يعرف ما إذا كان قد توفي أو انتقل للحياة في مكان آخر. وتمتلئ جداول الانتخابات بأسماء لا يعرف أحد إذا كانوا أحياء أم لا. وأين يقيمون؟! ومن هنا توجد بطاقات انتخابية كثيرة لا يطلبها ولا يبحث عنها أحد وتصبح تحت تصرف وزارة الداخلية قد تعطيها لمرشح الحزب الحاكم وهذا ما يحدث غالباً. وقد يأخذها مرشح يعرف طريقه إلي هذه الجداول. المهم أن يأخذ هذه البطاقات أشخاص آخرون يتسمون بأسماء المقيدين في الجداول ويعطون أصواتهم لمرشح بالذات. وهذه هي الطريقة الأولي لتزوير الانتخابات. وقد تبقي هذه البطاقات في حيازة وزارة الداخلية ولا ينتفع بها. ومعروف أنه يسمح لأي مواطن أن يقيد اسمه في الجداول 3 شهور كل عام. ولكننا عادة لا نقيد أنفسنا. ومع ذلك فإن أغلب الذين يقيدون أسماءهم هم الذين يصوتون فعلاً في الانتخابات. ولا يهتم أحد أو لا يهتم كثيرون بأن يبحثوا عن بطاقاتهم الانتخابية ومن هنا تقل نسبة الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات. ومن هنا أيضاً يتم تزوير الانتخابات. فالبطاقات الانتخابية التي لا يطلبها أصحابها كثيرة وكثيرة. وهي تمكن الحزب الحاكم أو غيره أو وزارة الداخلية من تزوير الانتخابات. * * * الباب الثاني للتزوير هم رجال الشرطة الذين يمنعون أنصار مرشح من التصويت رغم أن بطاقاتهم سليمة. ويقول المعارضون: لابد من قضاة يتولون عملية التصويت. ولا أظن أن القاضي يستطيع أن يفعل شيئاً فأمامه ناخب معه بطاقة انتخابية ويريد التصويت ولا يملك كل الناخبين ما يثبت شخصياتهم وبالذات النساء وخاصة في ريف مصر. * * * الحل المثالي هو أن تلغي كل جداول الانتخابات الحالية ويفتح الباب لقيد الناخبين ويلزم كل مصري بذلك وإلا يغرم غرامة مالية ويمنع قبول الجهات الحكومية له أي يمنع كل أجهزة الدولة من تعليمية ومصرفية واقتصادية من التعامل معه إلا إذا كان حائزاً لبطاقة انتخابية. وأيضاً يفرض علي هذا الناخب أن يصوت في الانتخابات. كل انتخابات. وتلزم لجنة القيد الجديدة بمنح الناخب بطاقة انتخابية عليها صورته إما أن يأتي بها أو يكون قرب مكان القيد من يصور الناخبين. * * * تبقي بعد ذلك أمور تراها أحزاب المعارضة ويري كثيرون أنها ثانوية مثل منح كل حزب فرصة للإعلان عن برامجه في الإذاعة والتليفزيون. ولا أظن أن هذه الإذاعة تؤثر في نتيجة الانتخابات مادام كل إنسان مقيد في الجداول ومعه البطاقة الانتخابية. وكل مواطن حتي ولو كان أمياً يعرف حقوقه الدستورية وأن عليه التصويت في الانتخابات. تقول المعارضة: الصناديق تكون ملأي ببطاقات التصويت فالذي يرأس اللجنة الانتخابية موظف يخضع لتعليمات الحكومة. وأعتقد أن إلغاء الجداول الانتخابية الحالية سيلغي قاعدة ملء الصناديق بأصوات أي بطاقات لا يعرف أحد مصدرها ولا أصحابها سيلغي ظاهرة ملء الصناديق بأصوات مزورة. * * * يبقي دور وزارة الداخلية وأعتقد أن وضع نظام جديد للانتخابات ولقيد الناخبين سيجعل دور وزارة الداخلية محدوداً أو لا دور لها في عملية الانتخابات سوي حفظ الأمن والنظام فحسب. وقد بالغنا كثيراً في دور وزارة الداخلية والجهاز الإداري كله في الانتخابات مع أن الوزارة وكل الأجهزة الإدارية عليها أن تلتزم بالأنظمة والقوانين والقواعد التي نضعها نحن. ولو أننا وضعنا قواعد سليمة وألزمنا الناخب بأن يصوت وإلا فإننا في هذه الحالة سنجد أن الانتخابات يقبل عليها الناخبون الذين سيوقنون بأن صوتهم هو الذي يحدد نوع الحكومة القادمة والحزب الحاكم. * * * السؤال الذي يظل الجواب عليه غامضاً هو: هل تريد الحكومة فعلاً منع التزوير في الانتخابات؟! وأعتقد أنها تريد ذلك فهي ترغب في أن تعرف هل الناس معها أم ضدها؟! وبذلك ستتخلي عن تقارير الأمن والحزب الحاكم وستعرف شعور الشعب الحقيقي وهل يريدها أم يرفضها. ومهما كانت نتيجة الانتخابات ستظل الحكومة والحزب يحكمان وسيجدان الآن الوسائل لذلك! والطريق لذلك أن تتهم الحكومة المعارضة بأنها زورت الانتخابات.. وأن كل الجداول الحديثة مزورة. ولابد من العودة للجداول القديمة وإجراء الانتخابات علي أساسها. فهذه الجداول القديمة هي التي جرت في ظلها الانتخابات المصرية المتعاقبة منذ عام 1923 وحتي بعد ثورة 23 يوليو وهي التي تعبر عن مصر الأصيلة.. أما الجداول الجديدة فتعبر عن الجيل الجديد الذي تجذبه دعوات التغيير!!