دخلت عليّ إحدي الزميلات مكتبي. وهي تمسك بيدها حقيبة يدها. وبعض المجلات. وكتابا. وأخذت تكلمني في موضوعات عديدة. وأنا شارد بعيدا عنها. وأفكر في شيء واحد فقط. فإذا بها تقول في لهجة قاطعة: طبعا أنت في واد وكلامي كله الذي قلته في واد آخر. بسبب هذا الكتاب الذي أحمله بين يدي. علي العموم: هاك الكتاب. ما رأيك فيه. وما أن سلمته إلي. حتي أخذت أتصفح المقدمة والفهرس وأكاد أحتضنه احتضانا. وكل من حولي يعلم أن فيّ ضعفا رهيبا أمام أي كتاب. خاصة لو كان في مجال تخصصي. أو عن أي موضوع ديني أو سياسي. وهذه هي نوعية الكتب التي أقتنيها. مع بعض الكتب الأدبية التي أعود إليها من آن لآخر. حتي أستعيد توازني اللغوي "إن صح التعبير". ولا أفقد "بقايا" اللغة الرصينة التي تعلمتها في كليتي العريقة "دار العلوم" منذ ما يزيد علي 25 عاما! لقد ظللت ما يزيد علي 30 عاما وأنا أجمع كل ما طالته يداي من كتب. حتي امتلأ البيت عن آخره بها. وضجرت منها زوجتي. ولم أعد أجد "خرم إبرة" لأضع فيه كتابا جديدا. والعجيب في الأمر هنا أن نصف هذه الكتب لم أقرأها ولم يعد عندي وقت ولا جهد للعودة إليها. ومع ذلك أجد نفسي ضعيفا. بل في منتهي الضعف أمام أي كتاب جديد. وأكاد أموت شوقا لاقتنائه. حتي ولو لم أقرأه! وكنت قد ابتليت بشغف حب القراءة منذ صباي. وجاءت مرحلة الجامعة. فاكتنزت غالبية الكتب التي كانت العمود الفقري لثقافتي ومعارفي. ولم أستطع النجاة من هذا الإدمان. حتي هذه اللحظة. بل زادت الأمور تعقيدا بانتشار الإنترنت. مع ملايين الكتب الموجودة أمامك. ولو أن عندي قدرة لقراءة كل هذه الملايين الموجودة علي شاشة الكمبيوتر لفعلت. خاصة وقراءة "خمسين" صفحة فقط علي الشاشة أمر مجهد غاية الإجهاد. ويصيب العينين بالأذي الشديد. لكن هكذا أمر المحبين مع أحبائهم.. أقصد مع كتبهم التي تعذبهم. وهم يستعذبون هذا التعذيب. وأنا لا أدري ماذا أفعل أمام هذا الكم الهائل من هذه المؤلفات. سواء التي تشكو من الإهمال بعدم قراءتها. أو التي قرأتها مرة واحدة. وأتمني لو أسعفني الوقت والعمر. لأعاود قراءتها مرة أخري. وبهذه المناسبة أقول لكم إن هناك كتبا قرأتها من ربع قرن. بروح وثابة وقلب نابض مفعم بالحيوية والشباب. خال من الهموم. وأرجو أن أعيد قراءتها مرة أخري. وأنا أحيانا أبحث عنها وسط ركام كتبي لأسترجع رائحتها ومكان شرائها. والجو الذي قرأتها فيه. وأعود إلي ما بدأته من حب التملك. بأن هذه هي الفطرة التي جُبلنا عليها. والحمد لله أنه سبحانه جعلني أعشق الكتب. لا شيء آخر. فالقراءة - من وجهة نظري - هي الحياة. ولا أدري سببا وجيها حتي الآن. يدلني علي تدني واقع القراءة في حياتنا. ولا تتعلل بأن التليفزيون والإنترنت هما السبب. فهذا "كلام فارغ" لأنني- وبصفة شخصية - جربت مشاهدة التليفزيون بالساعات. وفتح الإنترنت بالأيام. ولم يزدني ذلك إلا شغفا باقتناء الكتاب وقراءته. والعودة إليه والبحث عنه. بل زاد إدماني لتصفح مواقع الكتب. خاصة التي يستحيل علي الوصول إليها. أو الحصول عليها بالشراء. دعواتكم لنا نحن "مدمني الكتب" بمزيد من الإدمان. وحب الورق والقلم. وزادنا الله تعلقا بها. وأدعوه سبحانه - في هذه الأيام المباركة - أن تصيبكم "عدوي" القراءة. فتقرأوا.. يا أمة "اقرأ"..!!